اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
مشرف المنتدى
التاريخ
10/11/2020 3:14:59 PM
  صناعة التشريع بين الواقع والمأمول      

صناعة التشريع بين الواقع والمأمول الدكتور أحمد عبدالظاهر خلال فترة رئاسته لمجلس النواب الممتدة منذ شهر يناير 2016م حتى تاريخه، تعددت انتقادات الدكتور على عبدالعال لصياغة مشروعات القوانين المقدمة إلى المجلس. وقد كان آخر هذه الانتقادات فى جلسة مجلس النواب المنعقدة يوم الاثنين الموافق 24 أغسطس 2020م، حيث وجَّه الدكتور على عبدالعال انتقاداً شديداً لصياغة مشروع قانون الإجراءات الضريبية المقدم من الحكومة، قائلاً: «هل المستشارين اللى بيصيغوا معاهم ليسانس حقوق.. اللى صاغه معهش ليسانس حقوق، دى حاجات بندرسها فى أولى حقوق». وقد جاءت هذا العبارات اللاذعة شديدة القسوة تعليقاً على صياغة المادة السابعة والسبعين من مشروع القانون الوارد من الحكومة، وتنص على ألا تنقضى بمضى المدة الدعوى الجنائية ولا تسقط العقوبة بمضى المدة فى الجرائم المنصوص عليها فى القانون الضريبى. وتعقيباً على هذا النص، قال الدكتور على عبدالعال إن مصر دولة قانونية قوامها الدستور والقانون، ولا يستطيع أحد أن يمرر مخالفة شنيعة هكذا، مضيفاً أن «أبشع مخالفة تلك التى يرتكبها المشرِّع أو المنفذ»، موجهاً بصياغة المادة على غرار ما جرى أخذه فى مشروع قانون الجمارك الذى سبق أن وافق عليه مجلس النواب. والواقع أن معظم انتقادات الدكتور على عبدالعال لمشروعات القوانين هى انتقادات شكلية، تتعلق بالصياغة، وتبتعد فى معظم الأحيان عن فلسفة التشريع ذاتها والمبادئ الأساسية الحاكمة لها. وفيما يتعلق بالمادة سالفة الذكر، وبدلاً من التركيز على صياغة المادة ذاتها، نرى من الأنسب إلقاء الضوء على فلسفة نظام التقادم ذاته ومدى ملاءمة استثناء بعض الجرائم من الخضوع له، لا سيما أن سلطة المشرِّع فى هذا الشأن تخضع لرقابة المحكمة الدستورية العليا، ويمكن بالتالى أن يكون مثل هذا الحكم مثاراً للطعن فيه أمام القاضى الدستورى. وفيما يتعلق بهذا الاستثناء، يجدر بنا البحث عن الأساس الفلسفى له وبيان ما إذا كانت ثمة فلسفة عامة جامعة لكل الحالات التى يلجأ فيها المشرِّع إلى استثناء جرائم معينة من الخضوع لنظام التقادم. وفى هذا الصدد، لا يثور خلاف بشأن استثناء «جرائم الحريات» من الخضوع لنظام التقادم، بل إن هذا الاستثناء يتمتع بقيمة دستورية، حيث تنص المادة (99) من الدستور على أن «كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور والقانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم...». وفيما يتعلق بالتعذيب، تنص المادة (52) من الدستور على أن «التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم». وفى ذات الإطار، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم (2391/ أ) لسنة 1968 بالاتفاقية الخاصة بعدم قابلية جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية للخضوع لنظام التقادم. وورد النص على ذات الاستثناء فى المادة (29) من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، بنصها على أن «لا تسقط الجرائم التى تدخل فى اختصاص المحكمة بالتقادم أياً كانت أحكامه». وقد حددت المادة الخامسة من النظام الأساسى الجرائم الداخلة فى اختصاص المحكمة، وهى: جريمة الإبادة الجماعية، جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية، جريمة العدوان. كذلك، نصت الاتفاقية الأوروبية المعقودة فى 25 يناير سنة 1974م على أن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب لا تخضع للتقادم. وبدورها، تنص المادة 213 - 5 من قانون العقوبات الفرنسى المعمول به اعتباراً من أول مارس 1994م على أن الجرائم ضد الإنسانية لا تخضع للتقادم. ويمكن فهم السبب وراء استثناء هذه الجرائم من نطاق تطبيق نظام التقادم، باعتبار أن السلطة الحاكمة نفسها قد تتغاضى عن تحريك الدعوى الجنائية عنها، ومن ثم تأتى هذه النصوص لضمان ملاحقة هذه الجرائم، ولو مضى على ارتكابها زمن طويل. ولكن التساؤل يثور فيما يتعلق بالجرائم الأخرى التى لا يصدق عليها وصف «جرائم الحريات». وفى هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى المادة 46 مكرراً فقرة أولى من القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989م، بنصها على عدم انقضاء الدعوى الجنائية عن الجنايات المنصوص عليها فى هذا القانون بالتقادم، وذلك فيما عدا الجناية المنصوص عليها فى المادة 37 من هذا القانون. ونعتقد أن مثل هذه الأحكام يمكن أن تكون مثاراً للطعن بعدم الدستورية، ولذلك يبدو مستحسناً أن تحظى بقدر أكبر من الاهتمام، تفادياً لاحتمال الطعن عليها، بدلاً من تركيز الكلام فحسب على أمور الصياغة التشريعية. والله من وراء القصد..


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 4068 / عدد الاعضاء 62