اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
مشرف المنتدى
التاريخ
10/11/2020 3:19:58 PM
  سد النهضة وتهديد السلم والأمن الدوليين      

بقلم: الدكتور أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

في الأول من مايو الماضي، تقدمت الحكومة المصرية بخطاب إلى مجلس الأمن الدولي لبحث تطورات سد النهضة الإثيوبي. وفي رسالتها إلى المجلس، المكوّنة من سبع عشرة صفحة، استعرضت مصر جهودها الدبلوماسية في مسار المفاوضات مع إثيوبيا، بما يتسق مع قواعد القانون الدولي، لتسوية الملف المثير الجدل بشأن تقاسم مياه نهر النيل، بما يضمن استدامة الأمن والاستقرار بالمنطقة ومراعاة مصالح الأطراف الثلاثة. ولفتت مصر إلى إرسال رئيس الوزراء الإثيوبي في الـعاشر من أبريل الماضي رسالة إلى الرئيس المصري ورئيس وزراء السودان، يقترح فيها الموافقة على خطة إثيوبية تغطي المرحلة الأولى فقط من ملء سد النهضة.

وفي الأول من يونيو الحالي، قامت وزيرة الخارجية في جمهورية السودان الشقيق برفع مذكرة إلى مجلس الأمن الدولي، تضمنت شرحاً لموقف السودان من التطورات المتصلة بمفاوضات سد النهضة، وطالبت مجلس الأمن بتشجيع كل الأطراف على الامتناع عن القيام بأي إجراءات أحادية قد تؤثر على السلم والأمن الإقليمي والدولي. وتضمنت الرسالة تفاصيل المبادرة التي تبنتها السودان مؤخراً وتمثلت في الاتصالات التي أجراها رئيس الوزراء السوداني، مع نظيريه في مصر وإثيوبيا وتوجت بالموافقة على استئناف المفاوضات على مستوى وزراء الري، قبل أن تبوء هذه المفاوضات بالفشل في وقت لاحق بسبب استمرار التعنت من الجانب الإثيوبي. كما أكدت المذكرة على موقف السودان المبدئي الذي التزم به طوال جولات المفاوضات والقائم على التفاوض بحسن نية، مشددة على التزام الخرطوم بقواعد القانون الدولي المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية.

وفي يوم الجمعة الموافق التاسع عشر من يونيو 2020م، وفي خطاب موجه إلى مجلس الأمن الدولي، طلب وزير الخارجية المصرية من المجلس التدخل في أزمة سد النهضة، داعياً إياه إلى تحمل مسؤولياته لتجنب أي توتر وحفظ السلام والأمن الدوليين، ومؤكداً الحرص على التوصل إلى اتفاق يحقق مصالح مصر وإثيوبيا والسودان. وأكدت مصر في خطابها الموجه إلى مجلس الأمن، أن فشل المفاوضات بشأن سد النهضة يرجع إلى «سياسة إثيوبيا الثابتة في المراوغة والعرقلة»، مشددة على أن ملء وتشغيل إثيوبيا لسد النهضة «يمثل تهديدا». وأوضحت مصر أنها اختارت إحالة هذه المسألة لـمجلس الأمن الدولي، «بعد أن بحثت واستنفدت كل سبيل للتوصل إلى حل ودي لهذا الوضع، عبر إبرام اتفاق بشأن سد النهضة الإثيوبي، يحفظ ويعزز حقوق ومصالح الدول الثلاث المشاطئة للنيل الأزرق». وأشارت إلى أنها «شاركت بحسن نية في جولات تفاوضية لا حصر لها لمدة عقد تقريبا بشأن سد النهضة الإثيوبي، بيد أن هذه الجهود لم تثمر عن نتيجة بسبب النزعة أحادية الجانب لإثيوبيا، ورغبتها في فرض أمر واقع على دولتي المصب».

وتأتي هذه الخطوات الأخيرة على إثر إعلان الحكومة الإثيوبية يوم السبت الموافق الثلاثين من مايو الماضي عن بدء استعداداتها لتطهير الأرض وراء سد النهضة، تمهيدا لبدء ملء خزانه بالمياه في يوليو المقبل. بل إن رئيس الوزراء الإثيوبي نفسه قد أدلى بتصريحات علنية في الثامن من يونيو الحالي يؤكد فيها أن بلاده ستبدأ في ملء السد بغض النظر عن موافقة مصر والسودان من عدمه. وكانت الحكومة الإثيوبية قد أشارت في شهر أبريل الماضي إلى عزمها بدء ملء الخزان خلال العام الجاري، دون الاتفاق المسبق مع مصر والسودان، وهو ما رفضته مصر وتقدمت بمذكرة لمجلس الأمن في هذا الصدد، وذلك للحيلولة دون اتخاذ إثيوبيا إجراءً أحادياً بشأن سد النهضة، يؤثر سلباً على حقوق دولتي المصب المائية.

وغني عن البيان أن اللجوء إلى مجلس الأمن صار ضرورة ملحة إزاء التعنت الإثيوبي الواضح في المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة، على الرغم من امتداد هذه المفاوضات لمدة تسع سنوات، وذلك منذ بداية الإعلان عن بناء السد في سنة 2011م وحتى آخر جولة من جولات المفاوضات في النصف الأول من هذا الشهر. وكما هو معلوم، فإن مجلس الأمن هو أداة الأمم المتحدة المنوط به المحافظة على السلم والأمن الدوليين، حيث ينبغي على المجلس أن يعمل على تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية، واتخاذ التدابير اللازمة إذا استفحلت هذه المنازعات وتطورت إلى ما يمكن أن يهدد السلم أو يخل به أو يقود إلى أعمال عدوانية. فالعمل على تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية هي مهمة المجلس الأولى، متى كان النزاع يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر، ويؤدي المجلس هذه المهمة بدعوة الدول الأطراف في هذا النزاع إلى تسويته بالطرق السلمية، كالمفاوضة والتحقيق والوساطة والتحكيم والتسوية القضائية. وإذا لم تجد الوسائل السلمية في التوصل إلى تسوية، واستفحل النزاع وتطور، بحيث أصبح يخشى منه على السلم والأمن الدوليين، فإن المجلس ينبغي عليه اتخاذ التدابير اللازمة لصيانة السلم. قد يقول البعض إن الإجراءات سالفة الذكر تحتاج إلى بعض الوقت، الأمر الذي لا يتوافر في حالة سد النهضة، حيث عمدت إثيوبيا إلى المماطلة ومحاولة كسب الوقت، لمحاولة فرض الأمر الواقع، وأن هذه الاستراتيجية الإثيوبية قد امتدت حوالي تسع سنوات كاملة، وبحيث لم يعد متبقياً سوى أيام معدودة قبل التاريخ الذي أعلنت عنه الحكومة الاثيوبية للبدء في ملء السد. والواقع أن ميثاق الأمم المتحدة يتضمن حلاً لهذه المعضلة، حيث يمكن لمجلس الأمن أن يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضرورياً أو مستحسناً من تدابير مؤقتة، ولا تخل هذه التدابير بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم. ومن ثم، يمكن للمجلس أن يطالب الحكومة الإثيوبية بتأجيل البدء في ملء السد لحين التوصل بين الأطراف الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا) على اتفاق عادل بشأن سنوات الملء.

وإذا كان الحديث كله يدور حول المخاوف من تأثير السد على حصة مصر والسودان من مياه النيل، إلا أن ثمة تخوف آخر لا يقل أهمية، ويتعلق بمدى قوة السد وأمانه وتأثيراته على دولتي المصب في حالة انهياره. وكم كان جيداً أن يتضمن خطاب وزير الخارجية المصري إلى مجلس الأمن الإشارة إلى هذه الزاوية، مؤكداً أن «من المُثير للقلق البالغ أن يتم بناء سد النهضة دون استكمال الدراسات اللازمة حول الآثار الهيدرولوجية والبيئية لهذا السد، ودون الضمانات اللازمة لضمان سلامته الإنشائية، مما يُهدد أكثر من 150 مليون مواطن مصري وسوداني».

ومن ناحية أخرى، وبمجرد الإعلان عن التحرك المصري صوب مجلس الأمن، ظهرت بعض المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تزعم أن المادة العاشرة من اتفاق المبادئ تمنع اللجوء لأي طرف دولي أو محلي، منظمة أو دولة، إلا بموافقة الأطراف الثلاثة الموقعة على الاتفاق، أي مصر والسودان وإثيوبيا. وبغض النظر عن مدى صحة هذا الزعم، لا ندري ما السبب وراء ظهور هذه المنشورات في هذا التوقيت بالذات، وما هو الهدف من وراءها؟!!! ورجائي من كل مواطن مصري شريف ألا ينساق وراء إعادة نشر هذه التغريدات، وأن يعبر بصوت عال عن وقوفه وراء القيادة السياسية في التحركات التي تتخذها للدفاع عن أمن مصر القومي والمائي، لاسيما وأن الرد القانوني على مثل هذه المنشورات أو التغريدات أو المزاعم سهل وميسور. بيان ذلك أن المادة الخامسة من إعلان المبادئ تنص على أنه يتعين على الدول الثلاث التوصّل إلى اتفاق بشأن قواعد ملء وتشغيل السد قبل البدء في عملية ملء الخزان. وجاءت رسالة إثيوبيا إلى مجلس الأمن الدولي، ردّاً على خطاب من مصر إلى رئيس مجلس الأمن الدولي في الأول من مايو يؤكد التزام إثيوبيا الثابت بإبرام اتفاق شامل بشأن سد النهضة بناءً على اتفاق 2015م. ومع ذلك، ورغم نص المادة الخامسة من إعلان المبادئ، فقد أعلنت الحكومة الإثيوبية مؤخراً أنها ستبدأ في ملء السد دون حاجة للحصول على موافقة مصر والسودان. ومن ثم، وإذا كانت الحكومة الإثيوبية تعطي لنفسها الحق في التحلل من التزاماتها على هذا النحو، فلا يجوز لها أن تستند إلى أي نص آخر من نصوص الاتفاق. فالاتفاق أو إعلان المبادئ ينبغي الاستناد إليه ككل متكامل، ولا يجوز لأي دولة أن تنتقي منه ما تشاء من النصوص وتترك ما تشاء وفق هواها ومشيئتها. كذلك، ومن حيث الواقع، تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع البنك الدولي، قد تدخلت لاستضافة مفاوضات ثلاثية بدأت في شهر نوفمبر الماضي، بعد أن وصلت المناقشات التي استمرت سنوات طويلة بين الدول الثلاث إلى طريق مسدود. وبعد أربعة أشهر من المفاوضات بوساطة واشنطن، التي اتفقت خلالها الدول الثلاث في البداية على آليات لضبط عملية ملء وتشغيل السد خلال فترات الجفاف، صاغت الولايات المتحدة والبنك الدولي اتفاقاً كان من المقرر توقيعه أواخر فبراير الماضي، لكن انسحبت إثيوبيا من الجولة الأخيرة من المحادثات، ولم يوقّع على الاتفاق سوى مصر. وهكذا، فإن نص المادة العاشرة من اتفاق المبادئ لم يمنع من تدخل جهات أخرى لدفع الوساطة أو المفاوضات بين الدول الثلاث إلى الهدف المنشور الذي يحقق مصالح الدول الثلاث.

وختاماً، فإن الدولة المصرية قد حرصت منذ بداية الإعلان عن إنشاء السد في سنة 2011م على التوصل إلى حل لموضوع سد النهضة عبر الوسائل السلمية والدبلوماسية والتفاوض البناء وبحسن نية مع كل من السودان ومصر. وكم كان جيداً أن تؤكد مصر خلال كل مراحل المفاوضات وفي خطاباتها الموجهة إلى مجلس الأمن على سعيها للتوصل لحل مرض لكافة الأطراف يحفظ ويعزز حقوق ومصالح دول النيل الأزرق الثلاث، وأن الحكومة المصرية عملت بلا كلل «من أجل التوصل إلى اتفاق يحقق الأهداف الإنمائية لإثيوبيا، ويقلص من التأثيرات الضارة لهذا السد الضخم على دولتي المصب. وفي دليل آخر على إرادة مصر السياسية الصادقة للتوصل إلى اتفاق يحقق المنفعة المتبادلة، دعت مصر أطرافا أخرى محايدة إلى المشاركة في المفاوضات، كما أعربت عن استعدادها لقبول أي اتفاقات أو صيغ توافقية مقترحة من قبل هذه الأطراف المحايدة». هذه اللغة المتوازنة بعيداً عن لغة التشنج والتوتر والتهديد لهو نهج يستحق الإشادة والتأييد من كل مصري مخلص غيور على مصلحة بلده، ويعزز الموقف المصري أمام المجتمع الدولي في حالة استمرار التعنت من قبل الحكومة الإثيوبية. والمأمول هو أن يضطلع مجلس الأمن الدولي بالمسؤولية المنوطة به وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، حتى لا يجد المجتمع الدولي نفسه أمام تحد جديد وتزداد مساحة فقدان الثقة في قدرة المنظمة الدولية الأهم في عالم اليوم على حل النزاعات والحيلولة دون تفاقهما على نحو يهدد السلم والأمن الدوليين. حفظ الله مصرنا الحبيبة والسودان الشقيق من كل مكروه وسوء.


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 6571 / عدد الاعضاء 62