اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
مشرف المنتدى
التاريخ
12/1/2020 10:21:53 AM
  طبيب الميكروباص      

طبيب الميكروباص أحمد عبد الظاهر عرفت الأوساط الإعلامية والاجتماعية المصرية فى الآونة الأخيرة ظاهرة استعمال الألقاب لوصف أشخاص معينين أو حوادث معينة أو حالة محددة، سواء كانت الحالة إيجابية تدل على سلوك إيجابى أو كانت سلبية تعبر عن سلوك إجرامى أو شاذ. وهكذا، ظهرت ألقاب مثل «طبيب الغلابة»، «شهيد الشهامة»، «طفل المرور»، «طفل الليمون»، «سيدة المطار»، «سيدة المحكمة»، «سيدة القطار»، «سيدة المطر»، «بائع الفريسكا». ومن بين الألقاب التى عرفها المجتمع المصرى فى الآونة الأخيرة، لقب «طبيب الميكروباص» أو «دكتور الفعل الفاضح»، والمقصود به الطبيب المتهم بالتحرش بفتاة داخل سيارة أجرة ميكروباص فى مدينة الزقازيق. وترجع بداية هذه الواقعة إلى تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعى مقطع فيديو لركاب سيارة أجرة ميكروباص يعتدون بالضرب على شاب، بعد أن اتهمته فتاة بالتحرش بها داخل السيارة، مما دفع الركاب إلى إنزاله وتسليمه إلى الشرطة، واتضح فيما بعد أنه طبيب بمستشفى جامعة الزقازيق ومعيد فى كلية الطب. وقد أثارت هذه الواقعة الجدل على مواقع التواصل الاجتماعى بين المدافع عن الطبيب والمهاجم له مطالباً بحق الفتاة. وعلى إثر صدور قرار النيابة العامة بإخلاء سبيله بكفالة 2000 جنيه، على ذمة القضية، انتشر هاشتاج على مواقع التواصل الاجتماعى تحت عنوان «إحنا آسفين يا دكتور» أطلقه أصدقاء وزملاء الطبيب، وذكر البعض منهم اسمه الثلاثى، واضعين صورته، وزاد البعض فكتب عنوانه، مؤكداً أنه ابن قرية الخيس أبوحماد شرقية. ومن ضمن الهاشتاجات التى انتشرت أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعى، دفاعاً عن هذا الطبيب، نذكر أيضاً «هاشتاج» أطلقه البعض وهو «حق طبيب الزقازيق فين»، وهاشتاج آخر هو «الطبيب مش متحرش». وإذا كان الأستاذ محمود خليل فى مقاله المعنون «سيدة المطر» قد أثار مسألة على قدر كبير من الأهمية، وهى ما تحمله الظاهرة سالفة الذكر من «ثقافة الاختزال»، بحيث يتم اختزال أو تلخيص مجموع أو ظاهرة أو سلوك فى شخص، فإن ثمة وجهاً آخر للموضوع لا يقل أهمية، وهو شخصنة الأمور، وبحيث يتم التعامل مع واقعة بذاتها وبأشخاصها، دون محاولة معالجة الظاهرة ومنع تكرارها فى المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، ثمة غياب واضح لتطبيق أحكام القانون فى التعامل مع معظم الواقعات سالفة الذكر، وقد ساعد على ذلك الفوضى العارمة التى تشهدها وسائل التواصل الاجتماعى فى غياب ضوابط صارمة ومعايير حاكمة لاستخدامها. بيان ذلك أن المبدأ القانونى المقرر هو سرية إجراءات التحقيق الابتدائى، حيث تنص المادة الخامسة والسبعون من قانون الإجراءات الجنائية على أن «تعتبر إجراءات التحقيق ذاتها والنتائج التى تسفر عنها من الأسرار ويجب على قضاة التحقيق وأعضاء النيابة العامة ومساعديهم من كتاب وخبراء وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق أو يحضرونه بسبب وظيفتهم أو مهنتهم عدم إفشائها ومن يخالف ذلك منهم يعاقب طبقاً للمادة 310 من قانون العقوبات». فإذا كانت القاعدة العامة فى مرحلة المحاكمة هى علانية الجلسات، فإن المبدأ العام فى مرحلة التحقيق الابتدائى هى سرية التحقيق. وإذا كان هذا المبدأ قديماً تعرفه التشريعات الجنائية الحديثة منذ زمن بعيد، فإن أهميته تزداد فى ظل عصر الإنترنت، حيث يمكن استدعاء أى معلومة منشورة على شبكة الإنترنت، ولو مر عليها زمن طويل، الأمر الذى أثار معه البعض التساؤل عن مدى تمتع الشخص بالحق فى النسيان على شبكة الإنترنت. والمقصود بهذا الحق هو ألا تبقى المعلومات المنشورة عن الشخص على شبكة الإنترنت سيفاً مسلطاً عليه وعلى أسرته طيلة حياته وبعد مماته. إن المبدأ الحاكم للمحاكمات الجنائية هو أن «الأصل فى المتهم البراءة»، وما دام المتهم لم تثبت إدانته، فينبغى التعامل معه على أساس أصل البراءة. وما دام المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته، فلا يجوز التشهير به، لمجرد اتهام شخص آخر له. وإذا كان المشرِّع المصرى قد قرر مؤخراً حظر الكشف عن بيانات المجنى عليهم فى جرائم العرض، حرصاً على سمعتهم، فإن بعض التشريعات المقارنة تقرر أيضاً حظر الكشف عن بيانات المتهمين فى جرائم العرض، حرصاً على سمعتهم وسمعة عائلاتهم، ونزولاً عند مقتضيات أصل البراءة الذى يتمتع كل متهم به. بل إنه ينبغى عدم الكشف عن شخصيات المتهمين فى القضايا كافة، أياً كانت التهمة المنسوبة إليهم، ما لم يكن الكشف عن شخصياتهم لغرض مشروع. والواقع أن واقعة طبيب الميكروباص قد حدثت واقعة أخرى مماثلة لها فى فترة التسعينات، وتمت تبرئة المتهم فيها. كذلك، وفى الوقت ذاته الذى شهدت فيه مصر واقعة «طبيب الميكروباص»، أصدرت إحدى المحاكم المغربية حكماً بإدانة طالبة اتهمت أستاذاً جامعياً بالتحرش. ومن هنا، تأتى هذه الدعوة إلى الحفاظ على بيانات المتهمين وعدم الكشف عنها فى وسائل الإعلام أو على صفحات التواصل الاجتماعى، حرصاً على خصوصياتهم وعائلاتهم وعدم تدمير سمعتهم لمجرد وجود شبهات أو اتهامات لم تثبت بعد. ونعتقد أن ذلك يشكل أحد أوجه إنسانية القانون والقضاء الجنائى.. والله من وراء القصد.


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 3237 / عدد الاعضاء 63