اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
مشرف المنتدى
التاريخ
10/16/2022 9:19:22 AM
  أنسنة السجون      

أنسنة السجون أحمد عبد الظاهر في العشرين من مارس 2022م، صدر القانون رقم (14) لسنة 2022 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون. وبالاطلاع على نصوص هذا القانون، يمكن أن نستشف بوضوح الفلسفة العامة الحاكمة له والأهداف المرجوة منه، متمثلة في أنسنة المؤسسات العقابية والتعامل بروح من الإنسانية مع نزلاء هذه المؤسسات من المحكوم عليهم والمحبوسين احتياطياً. ويبدو ذلك بوضوح فيما يتعلق بالمصطلحات المستخدمة للدلالة على المؤسسات العقابية أو على نزلاء هذه المؤسسات. إذ تنص المادة الثانية من القانون سالف الذكر على استبدال عبارتي «مركز إصلاح وتأهيل» أو «مركز تأهيل» بلفظ «سجن»، بما مؤداه أن يتم استخدام العبارتين الأوليين بدلاً من لفظ «السجن» كمكان لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية. كذلك، ينص القانون على استبدال عبارتي «مركز إصلاح وتأهيل عمومي» أو «مراكز إصلاح وتأهيل عمومية» بمسميات «ليمان» أو «ليمانات» أو «سجن غير مركزي»، بما يعني العدول عن استخدام هذه الألفاظ الأخيرة، والتي شاع استخدامها خلال عقود عديدة مضت منذ صدور القانون رقم 396 لسنة 1956 وحتى تاريخ سريان القانون الجديد. ونص القانون كذلك على استبدال عبارتي «مركز الإصلاح الجغرافي» أو «مراكز الإصلاح الجغرافية» بعبارتي «سجن مركزي» أو «سجون مركزية». وفيما يتعلق بالعنصر البشري العامل في هذه المؤسسات، نص القانون على استخدام عبارة «مدير مركز الإصلاح والتأهيل» أو «مدير مركز الإصلاح» بدلاً من مسمى «مأمور السجن». كذلك، يستخدم لفظ «المشرفين» و«المشرفات» بدلاً من مسمى «السجانين» أو «السجانات». أما الأشخاص المحكوم عليهم أنفسهم، المودعين في مراكز الإصلاح والتأهيل، فقد أطلق القانون عليهم لفظ «نزيل» بدلاً من «سجين» أو «مسجون»، كما أطلق لفظ «نزيلة» بدلاً من لفظي «سجينات» و«مسجونات». والواقع أن الأمر لا يتعلق فحسب بمجرد استبدال ألفاظ بغيرها، وإنما يمتد إلى طريقة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية ذاتها، بحيث أصبح تنفيذها متسماً بالطابع الإنساني، وممزوجاً بالسمة التأهيلية الإصلاحية، وغدت متجهة نحو تأهيل المحكوم عليهم وإعادة إدماجهم أفراداً صالحين في المجتمع، بدلاً من عقابهم على جريمة اقترفوها في الماضي. ولعل ذلك يبدو جلياً من مطالعة المادة الأولى من القانون، والتي تحدد الهدف من تنفيذ العقوبات السالبة للحرية، بنصها على أن «تنفذ العقوبات المقيدة للحرية في مراكز الإصلاح والتأهيل طبقاً لأحكام القانون، وتخضع للإشراف القضائي، وتهدف إلى رعاية وتأهيل المحكوم عليهم اجتماعياً وثقافياً، ...». وتحقيقاً لهذا الهدف، فإن المادة الحادية والثلاثين من القانون، بعد تعديلها بمقتضى القانون رقم 14 لسنة 2022م، توجب «على إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل العمومية أن تشجع النزلاء على الاطلاع والتعلم وأن تيسر الاستذكار لمن لديهم الرغبة في استكمال الدراسة». وتحظر المادة الثانية الفقرة الثالثة من القانون «وضع القيد الحديدي في قدمي المحكوم عليه» داخل أو خارج مراكز الإصلاح والتأهيل، إلا إذا خيف هربه، وكان لهذا الخوف أسباب معقولة، ويصدر أمر وضع القيود من مساعد الوزير لقطاع الحماية المجتمعية أو مدير الأمن المختص، بحسب الأحوال، أو من يفوض في ذلك. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المادة السادسة والخمسين من الدستور المصري الحالي الصادر عام 2014م تنص على أن «السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر. وينظم القانون أحكام إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم بعد الإفراج عنهم». وهكذا، عبر المشرع الدستوري صراحة على ضرورة إسباغ الطابع الإصلاحي التأهيلي على المؤسسات العقابية، وأن يكون رائد هذه المؤسسات هو تأهيل المحكوم عليهم وإعادة إدماجهم أفراداً صالحين في المجتمع. كذلك، يجدر بالذكر أن الغرض الأساسي للعقوبات السالبة للحرية في بداية ظهورها كان هو تحقيق الردع العام، بل إن هذا الهدف اعتبر الغرض الوحيد للعقوبة في فكر المدرسة التقليدية الأولى الذي كان سائداً آنذاك. ولتحقيق هذا الغرض، حرصت التشريعات الجنائية على إبراز عنصر القسوة والشدة في بعض العقوبات السالبة للحرية، تمييزاً لها عن غيرها من العقوبات التي تنتمي إلى النوع ذاته. وبذلك، كانت الرغبة في تحقيق الردع العام وراء نشأة عقوبة الأشغال الشاقة وما تضمنته من فرض نظام قاس على المحكوم عليهم، يتمثل في تشغيلهم في أشق الأعمال وإلزامهم بوضع قيد حديدي في أقدامهم. غير أن تطوراً كبيراً لحق أغراض العقوبة السالبة للحرية، فلم يعد الردع العام غرضها الوحيد، وإنما غدت تستهدف بالإضافة إلى ذلك منع المجرم من العودة إلى سلوك سبيل الجريمة، وذلك بإصلاحه وتأهيله اجتماعياً. بل إن الغرض الجديد يحتل في الدراسات العقابية الحديثة مكان الصدارة، بحيث يرجح على ما عداه من أغراض العقوبة. وتقتضي النظرة الجديدة لأغراض العقوبة أن تتجرد العقوبات السالبة للحرية من مظاهر القسوة التي يمكن أن تؤدي إلى عرقلة مسيرة إصلاح المحكوم عليه، بدلاً من أن تسهم في تأهيله. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي اتجاه العقوبة لتأهيل المجرم إلى نتيجة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى، وهي التفريد التنفيذي للعقوبة بحيث تقوم السلطات العقابية بتصنيف المحكوم عليهم وتقسيمهم إلى طوائف على أساس الظروف الشخصية لكل منهم بغض النظر عن جسامة الجريمة المرتكبة، وذلك تمهيداً لتحديد أسلوب المعاملة الملائم لكل طائفة. إن الفلسفة الجديدة في التعامل الحكومي الرسمي مع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل تقتضي الإشادة من المؤسسات الدولية المعنية بمسائل حقوق الإنسان ومن الجمعيات الحقوقية الأهلية. كذلك، يتعين على منظمات المجتمع المدني أن تقوم بدور فاعل في رعاية المفرج عنهم، كما يتعين على القطاع الخاص أن يوفر فرص العمل المناسبة للمفرج عنهم. ويبقى أيضاً أن تتغير نظرة المجتمع نفسه إلى المفرج عنهم، وبحيث لا تلاحقهم السوابق الإجرامية لهم طيلة حياتهم، وتكون سيفاً مسلطاً عليهم وعلى أبنائهم وأحفادهم من بعدهم. حفظ الله مصرنا الحبيبة من كل مكروه وسوء.


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 3390 / عدد الاعضاء 63