اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

 

    مكتبة الأبحاث القانونية      أبحاث شرعية      موازنة بين حكمين لحضرة الأستاذ الفاضل صاحب الإمضاء

        
 
  المؤلف : محمد محمد سعفان   المصدر : مجلة المحاماة الشرعية - مصر
    موازنة بين حكمين لحضرة الأستاذ الفاضل صاحب الإمضاء

مجلة المحاماة الشرعية

موازنة بين حكمين لحضرة الأستاذ الفاضل صاحب الإمضاء

نشرت مجلة المحاماة الشرعية في العدد الثالث (صـ 215) حكمًا لمحكمة الأزبكية الشرعية بتاريخ 16 إبريل سنة 1929 وموضوعه أن زوجًا طلق زوجته بتاريخ 2 أغسطس سنة 1926 فجاءت بولد بتاريخ 20 نوفمبر سنة 1927، ولما طلبت الزوجة فرض نفقة للولد على أبيه صدر القانون رقم (25) سنة 1929 أثناء نظر الدعوى فدفع الزوج الدعوى بعدم سماعها لأنها ولدت الولد لأكثر من سنة من وقت الطلاق البائن فتكون الدعوى غير مسموعة طبقًا للمادة (15) من القانون السالف الذكر، فرفضت المحكمة هذا الدفع وفرضت على الزوج النفقة معتمدة في حكمها على أنه ليس للقوانين أثر رجعي فيما يتعلق بالحقوق المكتسبة وقد أطالت في التدليل على ذلك حتى خيل إلينا ونحن نقرأ الحكم أن محكمة الاستئناف - لو استؤنف الحكم - ستقرر بعد تأييد الحكم شكر المحكمة على ما ذهبت إليه فإذا بها قد أطفأت كل المنارات التي أقامتها محكمة الأزبكية في طريق العدالة فبقي ظلامًا حالكًا قررت فيه إلغاء الحكم المستأنف وعدم صحة سماع الدعوى قائلة (إن مجرد رفع الدعوى لا يكسب صاحبها حقًا غير ما نص عليه في اللائحة وما دامت القضية قائمة تكون قابلة لتقرير عدم سماعها إذا وجد ما يقتضي ذلك خصوصًا وأن المادة (15) من القانون رقم (25) لسنة 1929 مطلقة، ولم تستثنِ فيها القضايا المنظورة أمام المحاكم كما حصل في تعديل المادة (100) من اللائحة.
ونحن مع احترامنا لهيئة المحكمة الابتدائية نود أن نلفت نظرها إلى ما يأتي:
1 - ليس بنا من حاجة إلى أن نشرح للمحكمة نظرية رجعية القوانين فقد بينتها محكمة الأزبكية بما لا أستطيع الزيادة عليه - غير أن قولها (أن مجرد رفع الدعوى لا يكسب صاحبها حقًا غير ما نص عليه في اللائحة) لا ينطبق على الواقع فإن الحق قد اكتسبته صاحبة الدعوى من وقت الولادة وصار الولد ثابت النسب في ظل القانون القديم الذي حدثت فيه الولادة - وقد اشتبه الأمر على المحكمة كما اشتبه على غيرها في تحديد معنى الحق المكتسب ومهما يكن من خلاف وجدال بين علماء أصول القوانين في ذلك فإن مما لا شك فيه أن النتائج التي تمت في أيام القانون الجديد متعلقة بالسبب الذي وجد في أيام القانون القديم يعتبر حقًا مكتسبًا لأنها نتيجة مباشرة لازمة.
وليس ذلك من قبيل الأمل أو الاحتمال الذي لا يحميه القانون القديم حتى على أضعف الأقوال في التعريف بالحق المكتسب الذي قيل فيه إنه ما يمكن لصاحبه أن يحميه بدعوى أو دفع لأن ما معنا محفوظ بدفع أو دعوى كما لا يخفى.
2 - إن قول المحكمة (وما دامت القضية قائمة تكون قابلة لتقرير عدم سماعها إذا وجد ما يقتضي ذلك قبل الفصل فيها) قول يقرر مبدأ في غاية الخطورة إذا أخذ على إطلاقه، فإن ذلك خاص بما يكسبه رافع الدعوى من أمل أو احتمال في أن يكون له حق بمقتضى القانون القديم كما إذا حدد قانون سن الزواج بـ 16 سنة ثم صدر قانون يحدده بـ 18 سنة فإن ذلك يسري على من لم يبلغ 18 سنة لأنه لم يتقرر له حق قبل من سن هذا القانون حتى يقال إنه لو سرى عليه لأضاع حقًا مكتسبًا ولذلك فلا يحق له رفع دعوى بذلك.
نعم إن هذا المبدأ خاص بقوانين المرافعات التي لم تمس حقًا مكتسبًا لأن هذا النوع من القوانين لم يشرع إلا للصالح العام فلا مانع من أن يكون لها أثر رجعي ولذلك فقد قررت محكمة النقض بتاريخ 24 يونية سنة 1905 (أن القوانين الخاصة بالإجراءات والتحقيق تسري من تاريخ صدورها على جميع الدعاوى التي لم يحكم فيها انتهائيًا ولو كانت الأعمال التي استدعتها نشأت قبلها).
وكذلك قالت محكمة الاستئناف - 23 إبريل سنة 1902 - (أن القوانين الجديدة لا تسري على الحوادث السابقة إلا في الأمور النظامية التي من حقوق المحاكم مثل إجراءات التحقيق والمرافعات وماشا كلهما مما لا يمس حقًا مكتسبًا) وغير ذلك كثير.
3 - ألا وإن المحافظة على الحقوق المكتسبة في ظل القوانين القديمة أو احترام قاعدة (لا تسري القوانين على الحوادث السابقة على صدورها) قد دعت بعض المحاكم إلى تخصيص ما ورد عامًا من القوانين التي لو طبقت على إطلاقها لأضاعت الحق المكتسب كما فعلت محكمة مصر الشرعية بتاريخ 10 نوفمبر سنة 1920 إذ طلب منها الحكم بانقضاء عدة مطلقة طلقت في 23 يونية سنة 1911 وحكم لها بنفقة في 4 ديسمبر سنة 1918 ولا تزال تطالبه إلى تاريخ الحكم المذكور - وقد استند المطلق في طلبه على نص المادة الثالثة من القانون رقم (25) لسنة 1920 إذ حددت أقصى مدة للعدة بثلاث سنين فتكون عدتها قد انقضت من يوم 21 مايو سنة 1914 – وعلى نص المادة (12) من القانون المذكور إذ تقول (تسري أحكام المادة الثالثة من هذا القانون على المعتدات اللاتي حكم لهن بنفقات عدة بمقتضى أحكام نهائية صادرة قبل تنفيذ هذا القانون)، فجمعت المحكمة بين نص المادة (12) وبين احترام الحقوق المكتسبة وخصصت المادة المذكورة بقولها (لما كانت المادة الثالثة لا تسري إلا على القضايا التي ترفع بعد تنفيذ القانون ولا تسري على الحوادث التي فصل فيها وأصبح حكمها نهائيًا وضعت المادة الثانية عشرة لتجعل للمحكوم عليه الحق في طلب معاملة معتدتة بمقتضى المادة الثالثة إذا كانت السنين الثلاث لم تنته وقت تنفيذ القانون) (القضاء سـ 1 صـ 159).
فكان الأجدر بالمحكمة الابتدائية ألا تهمل القاعدة العامة المحافظة على حقوق الأفراد وتأخذ بإطلاق النص الذي لم يجئ إلا لهذه المحافظة.
4 - بقي أن ننظر في قول المحكمة (خصوصًا وأن المادة (15) في القانون رقم (25) لسنة 1929 مطلقة ولم تستثنَ فيها القضايا المنظورة أمام المحاكم كما حصل في تعديل المادة (100) من اللائحة)، وكأني بالمحكمة وقد فهمت أن الأصل في القوانين أن تسري على الماضي إلا إذا وجد نص يخصصها بالمستقبل وهو قلب للتشريع وللمعقول في مصالح الناس فإن الناس في معاملاتهم ينظمون ويرتبون علائقهم طبقًا لأحكام القانون المتبع وقت التعامل فيكون من الظلم التعرض للحقوق التي رتبها الناس لأنفسهم بسن قوانين جديدة تعدل فيها.
قال (بلانيول) - من علماء أصول القوانين - (إذا كانت حقوق الناس وأموالهم وحالتهم الشخصية ونتائج عقودهم لا تثبت على حال ويمكن في كل لحظة إعادة تسويتها من جديد بالتعديل فيها أو إلغائها تبعًا لهوى المشرع فإن الثقة بالحقوق والطمأنينة عليها تنعدم).
وأظهر برهان يوضح ذلك أن القانون لا يعمل به إلا بعد نشره وإعلانه وهذا مستحيل إذا كان للقانون أثر رجعي لأن الناس وقت تعاملهم لا يعلمون عنه شيئًا.
5 - على أنا نقول للمحكمة إن هذه القاعدة في الحقيقة لم توضع للمشرع يراعيها وقت التشريع وإنما وضعت للقاضي يطبقها على الحوادث التي تعرض أمامه - أما المشرع فإذا أراد سريان القانون على الماضي فإنه ينص على ذلك، وقد حدث أثناء الثورة الفرنسية أنه صدر قانون في السنة الثانية من الثورة أبطل الهبات وعدل المواريث ابتداءً من أول يوليه سنة 1789 فترتب على ذلك اضطراب وقلق بين الناس على حقوقهم أدى إلى إلغاء هذا القانون - فلمنع تكرار مثل هذا نص في الدستور الذي سن في السنة الثالثة من الثورة على أنه ليس للمشرع حق إصدار قانون يسري على الماضي لكن رئي أن هذا النص لم يذكر في أي دستور لاحق إذ من المصلحة بقاء هذا الحق للمشرع لأنه لازم أحيانًا للمصلحة العامة.
6 - وإذا تجاهلنا جميع ما تقدم ونظرنا إلى قول الفقهاء إن النسب يحتاط في إثباته ويحتال لإثباته وأن بعض المحاكم استشهدت - بطريق الإيماء والإشارة مع القدرة على النطق (أجا الشرعية 29 مايو سنة 1923 - لرأينا أن واجب المحكمة الشرعي يقضي عليها بإثبات هذا النسب، وفقنا الله جميعًا إلى طريق الحق وهدانا الصراط المستقيم.

محمد محمد سعفان
مدرس بتجهيزية دار العلوم والقضاء الشرعي

          

رقم الصفحة : (1) من إجمالي  1

            


 
 
الانتقال السريع          
  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 3292 / عدد الاعضاء 62