اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

 

    مكتبة الأبحاث القانونية      القانون الدولي العام      بحث على هامش قانون الإجراءات الجنائية

        
 
  المؤلف : الأستاذ محمود عز الدين سالم   المصدر : مجلة المحاماة - مصر سنة 1952
    بحث على هامش قانون الإجراءات الجنائية

مجلة المحاماة - العدد الخامس - السنة الثانية والثلاثون

بحث على هامش قانون الإجراءات الجنائية
لحضرة الأستاذ محمود عز الدين سالم قاضي التحقيق
(1)

في 15 من أكتوبر سنة 1951 نشر القانون رقم (150) لسنة 1950 بإصدار قانون الإجراءات الجنائية ونص في مادته الأولى على إلغاء قانون تحقيق الجنايات المعمول به أمام المحاكم الوطنية، والقانون رقم (4) لسنة 1905 بتشكيل محاكم الجنايات، والقانون رقم (19) لسنة 1941 الخاص بالأوامر الجنائية، والمرسوم بقانون (41) لسنة 1931 بشأن إعادة الاعتبار والمرسوم بقانون الصادر في 9 فبراير سنة 1926 يجعل بعض الجنايات جنحًا إذا اقترنت بأعذار قانونية أو ظروف مخففة على أن يُستعاض عن هذه القوانين جميعًا بقانون الإجراءات الجنائية المرافق ونص في مادته الثانية على أنه يعمل به بعد ثلاثين يومًا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية أي اعتبارًا من يوم 15 نوفمبر 1951، ولم يتضمن قانون الإصدار ولا قانون الإجراءات الجنائية أية أحكام وقتية تنظم كيفيه العمل بالقانون الجديد ولا وسيلة الانتقال من عهد كانت القوانين الملغاة هي التي تنظم أحكامه بمعنى أن كل ما تم في ظلها تم صحيحًا مطابقًا للأوضاع القانونية السليمة إلى العهد الجديد الذي يجب أن يعمل فيه بقانون جديد استحدث بعض الأحكام وعدل أو غير في الأحكام الأخرى ففصل بين سلطتي التحقيق والاتهام في الجنايات وجعل الأولى في يد قاضي التحقيق وحده وخص النيابة العامة بالثانية إلى غير ذلك من نظم وأحكام قصد بها استكمال النقص الذي بان في القوانين الملغاة ومسايرة التشريعات الحديثة بما يحقق ضمان احترام الحريات وحقوق الإنسان ويوجب العمل على ألا يفلت الأثيم من العقاب وأن ينال العابث بأمن المجتمع وطمأنينيته الجزاء الحق على ما قارف من جرائم وما ارتكب من آثام وكان الأوفق بالمشروع المصري أن يضمن قانون الإصدار أو قانون الإجراءات الجنائية بعض الأحكام الوقتية التي تنظم وسيلة الانتقال أخذًا بما أتبعه في القانون رقم (77) لسنة 1949 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون المرافعات المدنية والتجارية ذاته في باب الأحكام العامة حيث وردت في هذين القانونين أحكام وقتية دقيقة نظمت وسيلة سريان قانون المرافعات المدنية والتجارية على الدعاوى أو الإجراءات التي لم تكن قد تمت قبل العمل به أما وقد أغفل المشرع بيان هذه الأحكام فقد ترتب على ذلك اختلاف وجهات النظر في كيفية التصرف في القضايا الباقية أو كيفية الأخذ بالأحكام المستحدثة أو المعدلة أو المغيرة بالنسبة لمختلف الأوضاع والإجراءات التي سارت في طريقها ولم تصل إلى النهاية بعد وهو خلاف لا شك جوهري ينشأ عنه في غالب الأحيان البطلان المطلق أو النسي وخاصةً إذا روعي أن غالبية الجنايات الواقعة في خلال سنة 1951 لم يتم التصرف فيها وأن في بعضها متهمون محبوسون في ظل أحكام القانون الملغى ومن الضروري أني يتم التصرف فيها وأن يمتد حبس المتهمين أو يخلى سبيلهم إلى غير ذلك من أمور خطيرة يتعين الفصل فيها سريعًا وكان النائب العام أسبق من فكر في وضع تعليمات وإصدار منشورات أو كتب دورية لوكلائه لتنظيم العمل بالقانون الجديد والذي استبان لنا من مراجعتها أنها لم تحسم الجدل الفقهي الذي يمكن أن ينشأ عن تنفيذ هذا القانون ولم تجلِ ما غمض في نصوصه فاكتفت بسرد مواد القانون المتصلة بالنيابة مع قليل من التعليقات المشوبة بالكثير من المجافاة لروح القانون ونصوصه والرغبة في بسط سلطان النيابة العامة بما لا يتفق وهذه الروح فأحدث هذا تباعدًا بين وجهات النظر المختلفة حملنا وقد حملنا أمانة التحقيق وسهت الهيئة القضائية بوزارة العدل عن سن تعليمات تنير الطريق أمام عملائها من رجال القضاء والنيابة والمحاماة أن تبحث الأمر في تعمق، وأن تنشر على الملأ نتيجة ما وصل إليه بحثنا خاصًا بكيفية تنظيم فترة الانتقال وبشرح طريقة تنفيذ الأحكام الغامضة بالقانون على أن يقتصر بحثنا على التطبيقات العملية دون غيرها وخاصة الحالات التي غفل عنها من سبقنا من المؤلفين في شرح قانون الإجراءات الجنائية ولكي يكون بحثنا منتجًا رأينا أن نبدأ بوضع القواعد العامة ثم نرتب عليها ما يمكن استنتاجه منها.
والقاعدة الأساسية التي تنظم كيفية تنفيذ القوانين الجديدة هي معرفة مدى سريان هذه القوانين على الماضي وهل تسري على الوقائع والإجراءات التي حدثت قبل تنفيذها من عدمه والإجماع أن القوانين الموضوعية - كقانون العقوبات - لا تسري على الماضي وأنها تنفذ فقط بالنسبة للوقائع التي تحدث بعد العمل بها إلا في بعض حالات نادرة نص عليها كما جاء في المادة الخامسة من قانون العقوبات المصري، أما بالنسبة لقوانين الإجراءات والتنظيم القضائي والقوانين الشكلية فالأصل الذي أجمع عليه الفقهاء والشراح أنها تسري على الماضي بمعنى أنها تطبق مباشرةً من يوم نفاذها على جميع التحقيقات أو الدعاوى التي لم يفصل فيها بعد والتي تتعلق بوقائع سابقة على تاريخ صدور هذه القوانين، وقد أخذ المشروع المصري بمقتضيات هذه القاعدة في الأمر العالي الصادر بتنفيذ أحكام قانون تحقيق الجنايات الملغى حيث جاء في المادة الثانية من هذا الأمر أنه (يعمل بالقواعد المختصة بالإجراءات المنصوص عليها في القانون الجديد في جميع التحقيقات التي لم تكن تمت إلى يوم وجوب العمل بهذا القانون وفي كل دعوى تكون منظورة أمام أي محكمة بعد هذا التاريخ ابتدائية أو استئنافية وكل حكم يصدر بعد التاريخ المذكور من أية محكمة ينفذ طبقًا لأحكام القانون الجديد....)، ويبدو أن المشرع المصري لم يرَ أخيرًا ما يدعو للنص على هذه القاعدة في قانون الإجراءات الجنائية الجديد باعتبار أنها قاعدة أساسية مسلم بها ولا حاجة للنص عليها وعلة هذه القاعدة هي أن قوانين الإجراءات الجنائية إنما يقصد بها تنظيم التقاضي بطريقة تكفل إظهار الحقيقة وتحقيق العدالة وأنها والحالة هكذا لا تقرر كقاعدة عامة حقوق مكتسبة للأفراد حتى يمكن أن يقال بأن إلغاء مثل هذه القوانين أو تعديلها قد يترتب عليه إخلال بهذه الحقوق فليس المتهم إذن أن يدعي أن له حقًا مكتسبًا في التمسك بالإجراءات المقررة لمصلحته في التشريع المعاصر لموضوع الجريمة لأن حقه ينحصر في تمكينه من الدفاع عن نفسه وإثبات براءته وللمشرع وحده الحق في تعيين السلطات التي يبدي أمامها وسائل دفاعه وبيان الوسيلة التي تتبع للوصول إلى هذا الغرض.
ولا نزاع في تطبيق هذه القاعدة فيما يتعلق بالقوانين الشكلية المحصنة أي التي تنظم الإجراءات في التحقيق والمحاكمة والتنفيذ حيث يجب تطبيقها من وقت نفاذها على كافة الدعاوى القائمة أو التي تقام فيها بعد ولو كانت متعلقة بوقائع حدثت قبل العمل بالقانون الجديد وهذا ما أخذ به المشرع المصري صراحةً بالنسبة لقانون تحقيق الجنايات الملغى، وكذلك بالنسبة للقوانين المتعلقة بالترتيب والاختصاص - عدا القوانين المعدلة للاختصاص - بمعنى أن القوانين المتعلقة بكيفية تشكيل المحاكم وترتيبها أو القوانين المتصلة بإلغاء بعض جهات القضاة تسري من يوم نفاذها، أما فيما يختص بالقوانين المعدلة للاختصاص أي الناقلة له من محكمة إلى أخرى دون إلغاء المحكمة الأولى فقد اختلفت الآراء في مدى سريانها على الماضي فقال بعض الشراح أن القوانين المعدلة للاختصاص تسري دائمًا على الماضي وأن القضايا الجنائية يجب أن تنظر أو يستمر في نظرها أمام المحكمة المختصة طبقًا للقانون الجديد وقال البعض إنها لا تسري على الماضي لأن للمتهم الحق في أن يحاكم أمام قضاته الطبيعيين الذين كانوا يعملون وقت ارتكاب الجريمة وقال فريق ثالث إن الاختصاص يكون للمحكمة الأصلية إذا ما رفعت الدعوى إليها قبل صدور القانون المعدل للاختصاص (تراجع المادة (54) من قانون تشكيل محاكم الجنايات الملغى، والمادة 53/ 1، 2 من القانون رقم 49/ 1937 الخاص بلائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة)، ورأى الفريق الرابع أنها تسري من وقت نفاذها على الجرائم التي سبق رفع الدعوى من أجلها ما دام أنه لم يصدر في موضوع هذه الدعوى حكم غير نهائي حتى لا تضر قاعدة الرجعية بالحقوق المكتسبة وأوضحوا رأيهم بأنه في إلزام المتهم المحكوم ببراءته بحكم مستأنف بأن يحاكم من جديد أمام محكمة أخرى قد تصدر حكمًا بإدانته وفي حرمان المتهم المحكوم عليه بالعقوبة في أول درجة والذي رفع استئنافًا عن الحكم من حقه في الدفاع عن نفسه أمام المحكمة المختصة في وقت الاستئناف رجوعًا إلى الماضي لتغيير ما تم فيه إضرار بالحقوق المكتسبة والذي يبدو لنا من تمحيص هذه الآراء واستقراء أسانيدها ضعف أسانيد أصحاب الرأي الثاني والثالث فلا معنى للقول بضرورة محاكمة المتهم أمام قضاته الطبيعيين وهم الذين كانوا يعملون في وقت ارتكاب الجريمة لذات الأسباب المبررة للقاعدة العامة ولا محل أيضًا لتحديد اختصاص المحكمة الأولى برفع الدعوى إليها لأن المشرع وقد رأى نظر مثل هذه الدعوى أمام الجهة الجديدة لا بد أنه قدر كل الظروف المحيطة بها بما فيه صالح المتهم والمجتمع معًا وخاصةً وأن المفروض أن القانون الجديد يفوق سابقه في تحديد جهة الاختصاص التي تتوفر معها خير الظروف لإظهار الحقيقة وتحقيق العدالة ومما يؤكد هذا الرأي أن المشرع ذاته لم يشأ الأخذ بهذه النظرية فأغفل إيراد نص يطابق نص المادة (54) من قانون تشكيل محاكم الجنايات الملغى كما لم يأتِ بنص كنص المادة 53/ 1، 2 من القانون (49) لسنة 1937 الخاص للائحة التنظيم القضائي أمام المحاكم المختلطة عند ما سن القانون (147) لسنة 1949 بإصدار قانون نظام القضاء والذي حل محل لائحة التنظيم أمام المحاكم المختلطة ولائحة ترتيب المحاكم الأهلية الأمر الذي يدل دلالة قاطعة على أنه أراد الرجوع إلى القاعدة العامة قاعدة سريان قوانين الإجراءات على الماضي، والرأي الرابع مرفوض أيضًا لذات الأسباب المؤدية إلى رفض الرأي الثالث ولأنه إذا ما صدر حكم ببراءة متهم واستأنف هذا الحكم قبل صدور القانون الجديد فالمفروض أن الدعوى المستأنفة تنظر أمام الجهة المختصة بنظر الاستئناف في قانون الجديد بمعنى أن الذي ينقل إلى الجهة المختصة حديثًا هو الدعوى المستأنفة أما الدعوى الابتدائية فقد انتهى الفصل فيها فإذا منع القانون الجديد استئناف مثل هذه الدعوى فالمتهم المحكوم ببراءته يستفيد من ذلك ويصبح الحكم انتهائيًا بالنسبة له يبقى إذن الرأي الأول وهو القائل بسريان القوانين المعدلة للاختصاص على الماضي أي على الدعاوى المتعلقة بوقائع حدثت قبل صدورها وهو ما نرى الأخذ به، عملاً بقاعدة سريان قوانين الإجراءات بكافة أنواعها مباشرة من يوم نفاذها.
كذلك القوانين المتعلقة بالتقادم فقد اختلفت الآراء بشأنها أيضا فقال فريق بالعمل بالقانونين معًا بأن يحذف من المدة المسقطة للدعوى أو العقوبة بحسب القانون الجديد ما انقضى منها بحسب القانون القديم، وقال الفريق الثاني ينطبق القانون الأصلح للمتهم سواء أكان القانون القديم أو الجديد، وقال الفريق الثالث ينطبق القانون المعاصر لوقت ارتكاب الجريمة أو صدور الحكم أما الفريق الرابع - ورأيه هو الصحيح في نظرنا - فيرى أن القانون المعدل لمدة التقادم أو لشروطه واجب التطبيق من وقت صدوره على الجرائم السابق ارتكابها والعقوبات السابق الحكم بها ما دام أن الجريمة أو العقوبة لم تسقط بعد بمضي المدة وذلك لأن التقادم يلاحظ فيه مصلحة الهيئة الاجتماعية لا الجاني ولأن المفروض أن القانون الجديد أوفق لمصلحة الجماعة من القانون الملغى ولأن فرار الجاني من إجراءات التحقيق أو تنفيذ العقوبة إلى وقت صدور القانون الجديد لا يكسبه حق الفرار إلى الأبد وخاصةً وأن فعلة المتهم هذه تناقض مصلحة الجماعة كما أنه ليس للنيابة أن تتظلم من إنقاص مدة التقادم مثلاً لأنها إنما تمثل الجماعة أو المجتمع الذي عدلت لمصلحته هذه المدة ومما يؤيد هذا الرأي ويدعو إلى القول بأن المشرع المصري أخذ به في التشريع الحديث القانون رقم (178) سنة 1951 بإضافة بعض أحكام إلى القانون رقم (150) لسنة 1950 بإصدار قانون الإجراءات الجنائية حيث نص في المادة الأولى من هذا القانون على أن يُضاف إلى المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية الفقرتان الآتي نصهما (ولا تبدأ المدة المشار إليهما في الفقرة الأخيرة من المادة (17) من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة للجرائم التي وقعت قبل تاريخ العمل به إلا من هذا التاريخ ويستمر..... إلخ).
فإذا لوحظ أن المادة السابعة عشرة المشار إليها واردة في باب انقضاء الدعوى الجنائية وبعد أن نص المشرع في المادة (15) على انقضائها بمضي عشر سنين من يوم وقوع الجريمة في الجنايات وثلاث سنين في مواد الجنح وسنة في مواد المخالفات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك وأن المشرع بين في صدرها الإجراءات المؤدية لانقطاع مدة التقادم ثم أشار لسريان المدة من جديد من وقت اتخاذ الإجراء المؤدي له ثم نص في فقرتها الأخيرة على أنه لا يجوز في أية حال أن تطول المدة المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية بسبب الانقطاع لأكثر من نصفها، وإذا جاء المشرع بعد ذلك وقال بأن نصف المدة الذي يبدأ من وقت الانقطاع لا يحتسب بالنسبة للجرائم التي وقعت قبل تاريخ العمل بقانون الإجراءات الجديد إلا من يوم العمل بهذا القانون اعتبارًا من 15 نوفمبر سنة 1951 فمعنى ذلك أنه مسلم بسريان مدد التقادم على الماضي وأنه جاء بهذا النص الوارد في القانون 178/ 1951 استثناءً.
بقي بعد ذلك القوانين الخاصة بطرق الطعن في الأحكام ومواعيدها ولا خلاف بالنسبة للقوانين التي تنشئ طريقًا جديدًا للطعن أو تمد في ميعاد طريق طعن قديم فالإجماع على أنها تسري على الحوادث والأحكام السابقة على ميعاد تنفيذها إذا لم يكن مضى عند التنفيذ ميعاد الطعن المحدد بها بمعنى أنها تسري على الماضي - أما القوانين الملغية لطريق من طرق الطعن أو المعدلة لميعاده بالتقصير فالقاعدة بالنسبة لها أنها تسري من يوم نفادها على الأحكام الصادرة في هذا اليوم وما بعده أما الحكام الصادرة قبل يوم تنفيذها فقابلة للطعن بالطريق الملغى أو في الميعاد المعدل بالتقصير ما دام أنه لم ينقضِ بعد موعد الطعن المحدد في القانون القديم عند صدور القانون الجديد حتى لا يضار المتهم الذي اكتسب حق الطعن في الحكم الصادر ضده بطريق معين أو في موعد أطول ولا يمكن لمن صدر عليه حكم بعد موعد تنفيذ القانون الجديد الاحتجاج بأن له صالح في تطبيق القانون القديم عليه لأن المعتبر في هذه الحالة هو القانون المطبق وقت صدور الحكم وهو القانون الذي كان تحت بصر القاضي عندئذ والمكلف بأعمال نصوصه.
هذه هي القاعدة أو القواعد التي تحكم مدى سريان قوانين الإجراءات الجنائية على الماضي وكيفية تطبيقها والانتقال بها من عهد إلى عهد فصلناها في إيجاز في صدر أبحاثنا لتكون في متناول القارئ فيسهل عليه استيعاب ما سترتبه عليها من نتائج ولكي نقدم للباحث صورة تطبيقية واضحة للقانون رأينا أن نرتب أبحاثنا وفق الترتيب والتبويب الذي سار عليه المشرع في بيان مواد القانون وأحكامه.

المبحث الأول: فيمن له حق رفع الدعوى الجنائية

بين القانون في المواد من (1) إلى (13) من له حق رفع الدعوى الجنائية والأحوال التي تتوقف فيها رفعها على شكوى أو طلب وحق محكمة الجنايات أو النقض في إقامتها فحص النيابة العامة أصلا برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها وقيد هذا الحق بوجوب تقديم شكوى شفوية أو كتابية من المجني عليه أو وكيله الخاص إليها أو إلى أحد مأموري الضبطية القضائية في الجرائم المنصوص عليها في المواد (185) و(274) و(277) و(279) و(292) و(293) و(303) و(306) و(307) و(308) من قانون العقوبات - وفي الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون - كما نص في المادة الثامنة من القانون على أنه لا يجوز رفع الدعوى أو اتخاذ إجراءات فيها إلا بناءً على طلب كتابي من وزير العدل في الجرائم المنصوص عليها في المادتين (181) و(182) من قانون العقوبات وفي الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون وأوجب في المادة التاسعة منه تقديم طلب كتابي من الهيئة أو رئيس المصلحة المجني عليها في الجرائم المنصوص عليها في المادة (184) من قانون العقوبات وأول ما يلاحظ أن الجرائم المنصوص عليها في المواد المشار إليها آنفا أما أنها تتصل اتصالاً وثيقًا بشخص المجني عليه أو تمس الهيئة أو المصلحة التي يرأسها أو ممثل إحدى الدول الأجنبية ويكون من الأفضل إذن ترك الأمر للمجني عليه يقدره طبقًا لظروفه وأحواله الخاصة فإن رأي اتخاذ إجراءات في الدعوى تقدم بطلب للنيابة العامة التي لها في هذه الحالة أن تحرك الدعوى وتباشرها وللمجني عليه أن يتنازل عنها في أي وقت وفي أي حالة كانت عليها حتى يصدر حكم نهائي فيها كما أنه لا شك أن رئيس المصلحة هو أقدر من غيره من مرؤوسيه على تقدير ما يمسها وما يعتبر أنه إهانة لها ووزير العدل باعتباره من رجال السلطة التنفيذية أقدر على معرفة الظروف المحيطة بالجرائم المنصوص عليها في المادتين (181) و(182) من قانون العقوبات، وقد أدى هذا إلى زيادة القيود المفروضة على حق النيابة العامة في رفع بعض الدعاوى واتخاذ إجراءات فيها وهي زيادة اقتضتها مراعاة ظروف خاصة أو عامة رأي المشرع مراعاتها فهل تسري هذه القيود المستحدثة من يوم نفاذ قانون الإجراءات الجنائية ولو كانت تتعلق بوقائع سابقة على تاريخ تنفيذه ؟ لا شك أن هذه القيود يجب أن تسري من يوم نفاذ القانون في 15/ 11/ 1951 فيمتنع على النيابة العامة اتخاذ أي إجراء في الدعاوى الخاصة بها أو رفعها إلا بعد استيفاء الشروط المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية الجديد بتقديم طلب من المجني عليه أو رئيس المصلحة أو الهيئة المجني عليها أو زير العدل فإذا كانت قد باشرت هي أو أحد رجال الضبط القضائي التحقيق فيها وجب إيقاف هذا التحقيق حتى تحصل على إذن أو طلب من الجهات المختصة وذلك أخذًا بقاعدة سريان قوانين الإجراءات على الماضي ولأن هذه القيود التي روعي فيها الصالح العام أو الصالح الخاص تتعلق بالتنظيم القضائي المتصل بالنظام العام وليس للنيابة العامة أن تتضرر من هذا لأنها إنما تعمل بتفويض من الجماعة التي رأت فرض هذه القيود على سلطانها وللمجني عليه أن يتقدم بالشكوى أو الطلب في بحر ثلاثة شهود من يوم علمه بالجريمة وبمرتكبها وتبدأ هذه المدة من يوم 15/ 11/ 1951 بالنسبة للوقائع السابقة ولو كان العلم بها قبل هذا التاريخ وذلك بشرط أن لا ينقضي الحق في رفع الدعوى بشأنها قبل الثلاثة شهور أما بالنسبة لوزير العدل أو رئيس المصلحة أو الهيئة فحقهما في طلب رفع الدعوى قائم ما لم تسقط هذه الدعوى بمضي المدة، ويمكن حصر الجرائم الشائعة الوقوع من الأحوال الأخرى التي استلزم القانون فيها بلاغًا أو شكوى أو طلبًا أو إذنًا - وكلها عبارات مترادفة كما جاء بتقرير لجنة الشؤون التشريعية بمجلس الشيوخ عن مشروع قانون الإجراءات الجنائية - فيما يأتي:
أولاً: (الجرائم المنصوص عليها في المادة (312) عقوبات.
ثانيًا: الجرائم المنصوص عليها في المادة (11) من القانون رقم (124) لسنة 1949 الخاص بالأحداث المشردين.
ثالثًا: الجرائم المنصوص عليها في المادة (110) من الدستور التي نصت على أنه لا يجوز في دور الانعقاد وفي غير حالة التلبس بالجناية اتخاذ إجراءات جنائية نحو أي عضو من أعضاء البرلمان ولا القبض عليه إلا بإذن المجلس التابع له.
رابعًا: الجرائم المنصوص عليها في المادة (54) من قانون استقلال القضاء التي نصت بأنه في غير حالات التلبس بالجناية لا يجوز القبض على القاضي وحبسه إلا بعد الحصول على إذن من اللجنة المنصوص عليها في المادة (52) من القانون....إلخ.
خامسًا: جنح الضرائب المنصوص عليها في المادة (85) من القانون رقم (14) لسنة 1939 المعدلة بالقانون رقم (146) سنة 1950 حيث نص فيها على أن يكون رفع الدعوى العمومية في الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة بناءً على طلب مصلحة الضرائب التي لها التنازل عنها إذا رأت محلاً لذلك..... إلخ.
سادسًا: الجرائم الجمركية التي تقع من موظفي الجمارك وعماله الواردة في المادة الأولى من القانون رقم (3) لسنة 1903).
أما فيما يختص بحق محكمة الجنايات أو محكمة النقض في إقامة الدعوى الجنائية فالنص على ذلك وارد بالمادة (11) إجراءات بالنسبة لمحكمة الجنايات عند النظر في دعوى معروضة عليها وفي المادة (12) بالنسبة للدائرة الجنائية بمحكمة النقض عند نظر الموضوع بناءً على الطعن في المرة الثانية، وأنه وإن كان الذي يتبادر إلى الذهن لأول وهلة من مراجعة نص المادتين على حق المحكمتين في إقامة الدعوى الجنائية أن لهما الحق في إقامتها مباشرةً فإنه مما لا شك فيه أن حقهما قاصر على تحريك الدعوى وأحالتها إلى الجهة المختصة بالتحقيق أو أن تندب أحد أعضائها للقيام بإجرائه وتسري عليه عندئذ كافة القواعد الخاصة بقاضي التحقيق وللمحقق في الحالين بعد أن يتم تحقيقه أن يتصرف في الدعوى وفقًا لما يسفر عنه التحقيق فإن رأى أن الأدلة غير كافية على الاتهام بالنسبة للمتهمين الجدد كلهم أو بعضهم أو بالنسبة للوقائع الجديدة كلها أو بعضها فله أن يأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى وإن رأى أن الأدلة كافية فله أن يأمر بإرسال الأوراق إلى غرفة الاتهام إن كانت الواقعة جناية أو أن يحيلها على محكمة الجنح إن رأى أن الوقعة جنحة، وهذا الحق المعطى لمحكمتي الجنايات والنقض بالحدود الواردة (11) و(12) من قانون الإجراءات يعبر عنه عادةً بحق التصدي وكان منصوص عليه في قانون تحقيق الجنايات الملغى في المادتين (45) و(62) منه وأقره القانون الجديد مع بيان دقيق لحالاته وشرائطه كما استحدث نصًا جديدًا هو المادة (13) التي أعطت المحكمتين في الحالتين المشار إليهما آنفًا حق إقامة الدعوى الجنائية على أي متهم ولو لم يكن هو المتهم في الدعوى المنظورة أمامها إذا وقعت منه أفعال من شأنها الإخلال بأوامرهما أو بالاحترام الواجب لهما أو التأثير في قضائهما أو في الشهود سواء أكانت هذه الأفعال وقعت منه بالجلسة أم خارجها، وعلى أن يكون ذلك طبقًا للأوضاع المبينة في المادة (11) من القانون.
هذا وقد نص المشرع في مواضع متفرقة بالقانون على حق المحاكم الأخرى في إقامة الدعوى الجنائية وبعض هذه النصوص مستحدث والبعض الآخر مأخوذ عن القوانين الملغاة وهذه هي الحالات:
أولاً: حق غرفة الاتهام في إقامة الدعوى الجنائية - نص على هذا الحق في المادة (176) من قانون الإجراءات التي نصت على أن لغرفة الاتهام عند استعمالها حق التصدي طبقًا للمادة السابقة أو عند إحالة الدعوى إليها من قاضي التحقيق طبقًا للمادة (158) أن تدخل في الدعوى وقائع أخرى أو أشخاصًا آخرين وأن تجري التحقيق اللازم لذلك - والمادة (175) المشار إليها تنص على أن لغرفة الاتهام عند النظر في مد الحبس الاحتياطي أو في الاستئنافات التي ترفع إليها عن قرارات قاضي التحقيق أن تتولى إتمام التحقيق بنفسها وأن تصدر أمرها فيه طبقًا للمادة (179) إجراءات ومعنى هذا أن لغرفة الاتهام أن تقيم الدعوى في حالتين، الأولى إذا تولت بنفسها إتمام التحقيق عند النظر في الحبس أو الاستئنافات المرفوعة عن أوامر قاضي التحقيق فلها عندئذ أن تدخل في الدعوى وقائع أخرى أو أشخاصًا آخرين وأن تجري التحقيق اللازم لذلك والحالة الثانية عند إحالة الجناية إليها من قاضي التحقيق لتحليلها إلى محكمة الجنايات فلها عندئذ أن تقيم الدعوى عن وقائع جديدة أو على أشخاص آخرين ولها أن تنتدب أحد أعضائها ليقوم بإجراء التحقيق أو أن تندب لذلك قاضي التحقيق الذي له وللعضو المنتدب كامل الحرية في التصرف في التحقيقات الجديدة طبقًا لما يسفر عنه التحقيق فله الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى أو بإحالتها للمحكمة الجزئية على اعتبار أن الواقعة جناية تستدعي ظروفها الحكم بعقوبة الجنحة أو على اعتبار أنها في الأصل جنحة أو مخالفة كما له أن يحيلها لغرفة الاتهام طبقًا للمادة (158) على أن تتكون هذه الغرفة من قضاة آخرين غير الذين اشتركوا في تحريك الدعوى أخذًا بما رآه المشرع في المادة الحادية عشرة من القانون ولذات الحكمة التي تقرر من أجلها هذا المبدأ.
وحق غرفة الاتهام في تحريك الدعوى نشأ من يوم نفاذ قانون الإجراءات الجنائية فلها هذا الحق في الحالتين المشار إليهما سلفًا ولو كانت التحقيقات المعروضة عليها أو الوقائع التي رفعت الدعوى بشأنها حدثت قبل تنفيذ القانون الجديد، كما أن حق محكمة الجنايات أو محكمة النقض المنصوص عليه في المادة (13) من القانون يسري من يوم نفاذه ولو تعلق بوقائع حدثت قبل تاريخ النفاذ وذلك لأن النصوص التي تنشئ نظامًا جديدًا للاختصاص تسري من يوم نفاذها حسبما بيناه في القواعد العامة.
ثانيًا: حق المحاكم عمومًا في تحريك الدعوى الجنائية والحكم فيها:
للمحاكم في بعض حالات معينة حق تحريك الدعوى والحكم فيها أو حق تحريكها دون الحكم فيها ولإيضاح ذلك نفرق بين الحالات الآتية:
( أ ) حق المحكمة الجنائية في تحريك الدعوى والحكم فيها:
للمحاكم الجنائية أن تحكم بحكم غير قابل للاستئناف على من يخل بنظام الجلسة بالحبس أربع وعشرين ساعة أو بتغريمه مائة قرش (م243 إجراءات)، وإذا وقعت جنحة أو مخالفة في الجلسة يجوز للمحكمة أن تقيم الدعوى على المتهم في الحال وتحكم فيها بعد سماع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم، وذلك دون احتياج إلى تقديم الشكوى أو الطلب في الحالات المبينة في المواد (3)، (8)، (9) من قانون الإجراءات (م 244 إجراءات)، والنص عام يتناول أية جريمة تقع في الجلسة سواء أكانت تتضمن تعديًا على هيئة المحكمة من عدمه، وهو حق جوازي للمحكمة فلها أن تقيم الدعوى على المتهم وتحكم فيها بعد تحرير محضر بما حدث أو أن تكتفي بتحرير المحضر وتحريك الدعوى بإحالتها إلى السلطة المختصة بالتحقيق.
(ب) حق المحكمة الجنائية في تحريك الدعوى فقط:
إذا كانت الجريمة التي وقعت بالجلسة جناية فعلى رئيس المحكمة أن يحرز محضرًا بما حدث وأن يصدر أمرًا بإحالة الدعوى إلى قاضي التحقيق وذلك بدون إخلال بحكم المادة (13) من القانون.
(ﺟ) حق محكمة أول درجة والمحكمة الاستئنافية في تحريك الدعوى:
نص قانون تحقيق الجنايات الملغى والقوانين المكملة له في المواد (148) و(174) و(189) على إلزام محكمة أول درجة أو المحكمة الاستئنافية بالحكم بعدم الاختصاص إذا تبين لها من قرائن الأحوال أن الواقعة جناية وأن تحيل الأوراق إلى النيابة العامة لتجري شؤونها فيها وللنيابة العامة عندئذٍ أن تحقق الدعوى إن لم تكن سبق تحقيقها بمعرفتها وتقدمها إلى قاضي الإحالة بالكيفية المقررة في المادة العاشرة من القانون رقم (4) لسنة 1905 الصادر بتشكيل محاكم الجنايات بمعنى أنه لم يكن للمحكمتين في هذه الحالة حق تحريك الدعوى، وإنما يعود الحق لصاحبه وهو النيابة العامة أما قانون الإجراءات الجديد فقد استحدث نظامًا خاصًا بهذه الحالة فنص في باب محاكم المخالفات والجنح في المادتين (305) و(306) على أنه إذا تبين للمحكمة عند نظر الدعوى أن الجريمة المحالة عليها من اختصاص محكمة الجنايات تحكم بعدم اختصاصها وإذا كان الفعل جنحة من الجنح التي تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر على غير الأفراد تحيلها إلى محكمة الجنايات، فإذا كان الفعل جناية وكانت الدعوى قد تم تحقيقها بمعرفتها أو بمعرفة سلطة التحقيق وكانت الأدلة كافية تحيلها إلى غرفة الاتهام وإن كانت الأدلة غير كافية تصدر فيها قرار أن لا وجه لإقامة الدعوى، وإن لم يكن قد تم تحقيقها تحيلها إلى قاضي التحقيق لتحقيقها والتصرف فيها، وقرارها بإحالة الدعوى إلى غرفة الاتهام أو بأن لا وجه لإقامة الدعوى قابل للطعن فيه كما لو كان صادرًا من قاضي التحقيق فإذا كان الفعل جناية من الجنايات التي يجوز لقاضي التحقيق إحالتها إليها طبقًا للمادة 158/ 2، 3 إجراءات فلها بدل الحكم بعدم الاختصاص أن تصدر قرارًا بنظرها وتحكم فيها، وقد ردد القانون هذه النصوص تقريبًا في باب الاستئناف في المادتين (414) و(415) حيث نص في المادة (414) على ما يأتي: (إذا تبين للمحكمة الاستئنافية أن الجريمة من اختصاص محكمة الجنايات تحكم بعدم اختصاصها - وإذا كان الفعل جنحة من الجنح التي تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر على غير الأفراد تحليلها إلى محكمة الجنايات - أما إذا كان الفعل جناية، وكانت الدعوى قد تم تحقيقها أمام سلطة التحقيق أو أمام محكمة أول درجة ورأت أن الأدلة كافية على المتهم وترجحت لديها إدانته تحيلها إلى محكمة الجنايات وإذا لم يكن قد تم تحقيقها تحليلها إلى قاضي التحقيق - وإذا رأت أن الأدلة غير كافية تصدر أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى ويكون الأمر الصادر من المحكمة بإحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات أو بأن لا وجه لإقامة الدعوى وقابلاً للطعن طبقًا للمواد (193 - 196)، كما لو كان صادرًا من غرفة الاتهام، ونص في المادة (415) على أنه: (للمحكمة الاستئنافية إذا رأت أن الفعل المحكوم فيه باعتباره جنحة من الجنايات التي يجوز لقاضي التحقيق إحالتها إلى المحكمة الجزئية طبقًا للمادة (158) تصدر قرارًا بنظرها وتحكم فيها وللنائب العام أن يطعن في القرار..... إلخ).
ومفهوم هذه النصوص أنه إذا تبين لمحكمة أول درجة أو المحكمة الاستئنافية أن الدعوى التي تنظرها من اختصاص محكمة الجنايات تحكم بعدم اختصاصها أو تحيلها إلى محكمة الجنايات إذا كان الفعل جنحة من الجنح التي تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر على غير الأفراد وأنه إذا حكمت بعدم الاختصاص لأن الفعل جناية فلمحكمة أول درجة إذا كانت الدعوى قد تم تحقيقها أمامها أو بواسطة سلطة التحقيق وكانت الأدلة كافية أن تحيلها إلى غرفة الاتهام وللمحكمة الاستئنافية إذا كان قد تم تحقيقها بمعرفة سلطة التحقيق أو أمام محكمة أول درجة أن تحيلها مباشرةً إلى محكمة الجنايات، فإذا كان الفعل جناية من الجنايات التي يجوز لقاضى التحقيق إحالتها إلى المحكمة الجزئية فللمحكمتين أن يصدرا قرارًا بنظر الدعوى ويحكمها فيها، أما إذا كانت الأدلة غير كافية فلهما أن يصدرا قرارًا بأن لا وجه لإقامة الدعوى، فالحكم بعدم الاختصاص لأن الواقعة جناية لا يترتب عليه إعادة الأوراق إلى النيابة العامة لتجري شؤونها فيها باعتبارها سلطة الاتهام والأمينة على الدعوى العمومية وإنما يعطي لكل من المحكمتين أما حق تحريك الدعوى فقط وتقديمها إلى غرفة الاتهام أو محكمة الجنايات أو التقرير بأن لا وجه إن كانت قد تم تحقيقها من سلطة مختصة بالتحقيق أو حق تحريكها والحكم فيها إذا كانت الجناية من الجنايات التي يجوز لقاضى التحقيق إحالتها إلى المحكمة الجزئية طبقًا للمادة (158) من قانون الإجراءات وللمحكمة عندئذٍ إذا لم تكن الدعوى محققة أن تتولى تحقيقها بنفسها وتحكم فيها.
ثالثًا: حق المحاكم المدنية في تحريك الدعوى الجنائية والحكم فيها:
للمحاكم المدنية حق تحريك الدعوى الجنائية والحكم فيها في حالة الإخلال بنظام الجلسة فللقاضي المدني عندئذٍ أن يحكم على المخل بحكم غير قابل للاستئناف بالحبس أربع وعشرين ساعة أو بتغريمه جنيهًا واحدًا (المادة 125 مرافعات)، وكذلك لها أن تحرك الدعوى وتحكم فيها على من وقع منه أثناء انعقادها جنحة تعد على هيئة المحكمة أو على أحد أعضائها أو أحد الموظفين بالمحكمة أو من شهد زورًا أمامها (المادة 129/ 221 مرافعات)، وذلك تمكينًا لها من حفظ كرامة القضاء والإسراع في محاكمة من يحاول المساس بها.
أما إذا وقعت بالجلسة جناية أو جنحة غير ما ذكر آنفًا فيقتصر حق المدينة على تحريك الدعوى وعلى رئيس الجلسة أن يأمر بكتابة محضر عن الجريمة التي وقعت وبما يرى اتخاذه من إجراءات وله إذا اقتضى الحال أن يأمر بالقبض على من وقعت منه الجريمة (المادة 128 مرافعات).
ويبين مما تقدم أن حق المحاكم الجنائية في تحريك الدعوى الجنائية والحكم فيها أوسع من حق المحاكم المدنية ولا غرابة في ذلك إذ المفروض أنها أقدر من غيرها على الحكم في الوقائع الجنائية فضلاً عن أن النيابة العامة ممثلة فيها وهي صاحبة سلطة الاتهام بصفة أصلية وأوجب القانون على المحكمة الجنائية أن تسمع أقوالها قبل الحكم في الدعوى.
رابعًا: حق قاضي التحقيق في تحريك الدعوى الجنائية والحكم فيها:
فصل المشروع بين سلطتي الاتهام والتحقيق وجعل الأولى بصفة أصلية في يد النيابة العامة والثانية في يد قاضي التحقيق وحده بالنسبة للجنايات، أما الجنح فاختصاص التحقيق فيها للنيابة العامة وقاضي التحقيق معًا فلا يدخل في اختصاص قاضي التحقيق حق تحريك الدعوى العمومية أو مباشرتها وعلة الفصل بين السلطتين كما جاء بالمذكرة التفسيرية للقانون هو أن في الفصل بينهما ضمانًا أوفى للمتهم كما أن اختصاصات قاضي التحقيق الواسعة تجعله أقدر من غيره على إنجاز التحقيقات بالسرعة الواجبة حتمًا لأمن الدولة وحرية الأفراد - فليس من اختصاص قاضي التحقيق إذن أن يحرك الدعوى العمومية أو يباشرها وتنفيذًا لذلك نص صراحةً على أن قاضي التحقيق لا يتولى التحقيق إلا إذا طلبت النيابة العامة منه ذلك أو أخطرته بوقوع جناية في حالة تلبس - إلا أنه أعطى في حالات ضيقة نص عليها صراحةً حق تحريك الدعوى ومباشرتها والحكم فيها بقصد تمكينه من أداء واجبه على خير وجه فنص في المادة (72) من القانون على أنه يكون لقاضى التحقيق ما للمحكمة من الاختصاصات فيما يتعلق بنظام الجلسة، ويجوز الطعن في الأحكام التي يصدرها طبقًا لما هو مقرر للطعن في الأحكام الصادرة من القاضي الجزئي وتشير هذه المادة إلى المادتين (243) و(244) من قانون الإجراءات وقد أوضحنا مضمونهما فيما سبق.
ونظرًا للصلة الوثيقة بين عمل المحامى باعتباره ممثل الدفاع والسلطة التي تتولى بالصدق إظهار براءة المتهم وبين رغبة المجتمع في أن لا ينال الجزاء غير المذنب وحتى لا يشعر المحامى أثناء قيامه بواجبه أنه محدود الحرية رئي إحاطة المحامين بما يضمن لهم تأدية واجبهم على خير وجه فنص في المادة (51) من قانون المحاماة رقم (98) لسنة 1944 على أنه (استثناءً من الأحكام الخاصة بنظام الجلسات والجرائم التي تقع فيها المنصوص عليها في قانوني المرافعات وتحقيق الجنايات إذا وقع من المحامى أثناء وجوده بالجلسة لأداء واجبه أو بسببه ما يجوز اعتباره تشويشًا مخلاً بالنظام أو ما يستدعي مؤاخذته تأديبيًا أو جنائيًا يأمر رئيس الجلسة بكتابة محضر بما حدث ويحيل المحضر المذكور إلى النيابة العمومية، وعلى النيابة إجراء التحقيق في ظرف ثلاثة أيام من تاريخ استلام المحضر بمعرفة رئيس النيابة أو من يندب لذلك بعد إخطار مجلس النقابة ليوفد من يمثله وترفع أوراق التحقيق للنائب العام، وللنائب العام أن يحيل المحامى إلى المحكمة الجنائية إذا كان ما وقع منه يعتبر جريمة يعاقب عليها في قانون العقوبات أو يحيله إلى الهيئة التأديبية أو مجلس النقابة إذا كان ما وقع منه مجرد إخلال بالواجب أو تشويش مخلٍ بالنظام، وعلى كل حال لا يجوز أن يكون رئيس الجلسة التي وقع فيها الحادث أو أحد أعضائها عضوًا في الهيئة التي تحاكم المحامى تأديبية كانت أو جنائية)، ولما أن صدر قانونا الإجراءات والمرافعات الجديدين أن نصا على المبدأ الذي جاء بقانون المحاماة فجاء بالمادة (130) مرافعات، والمادة (245) إجراءات على أنه إذا وقع من المحامى أثناء قيامه بواجبه في الجلسة وبسببه ما يجوز اعتباره تشويشًا مخلاً بالنظام أو ما يستدعي مؤاخذته جنائيًا يحرر رئيس الجلسة محضرًا بما حدث، وللمحكمة أن تقرر إحالة المحامى إلى قاضي التحقيق لإجراء التحقيق إذا كان ما وقع منه يستدعي مؤاخذته جنائيًا وإلى رئيس المحكمة إذا كان ما وقع منه يستدعي مؤاخذته تأديبيًا وفي الحالين لا يجوز أن يكون رئيس الجلسة التي وقع فيها الحادث أو أحد أعضائها عضوًا في الهيئة التي تنظر الدعوى.
ويفهم من هذه النصوص أن تحقيق الجرائم التي تقع من المحامى بالجلسة والتي تكون متصلة بعمله من اختصاص قاضي التحقيق وأن تحقيق مجرد الإخلال بالواجب أو التشويش من اختصاص رئيس المحكمة الكلية التي وقع بدائرتها الفعل ولا حاجة في الحالين لإخطار مجلس النقابة لإيفاد من يمثله إلا أن هذا لا يمنع الممثل من حضور التحقيق من تلقاء نفسه خاصة إذا كان الذي يجريه قاضي التحقيق.
ويهمنا أن نشير بهذه المناسبة إلى الضجة التي أثيرت حول الحكم الصادر من أحد قضاة التحقيق على أحد مساعدي حكمداري البوليس وما نشر من اتصال رجال البوليس والإدارة بوزارة الداخلية لسن تشريع يحميهم من قضاة التحقيق ويسوى بينهم وبين رجال المحاماة، ولا أرى في هذا المجال الخوض في دواعي الحادث وحقيقته لأن هذا من اختصاص جهات معينة حددها قانون الإجراءات الجنائية وإنما الذي يعنيني في هذا المقام هو الحديث عن التشريع المقترح ومدى صحته من الناحية القانونية والآثار العملية التي يمكن أن تترتب على إصداره وأول ما تجب ملاحظته أن قانون الإجراءات الجنائية فصل بين قاضي التحقيق ورجال الضبطية القضائية عدا النيابة العامة التي لها وحدها الاتصال به فهي التي تطلب منه التحقيق وهى التي تقدم له الاستدلالات التي تلزم للدعوى فلا اتصال بين رجال البوليس والإدارة سواء باعتبارهم من مأموري الضبط القضائي أو من رجال السلطة العامة بالتحقيق ولا بقاضيه واتصالهم قاصر على رجال النيابة العامة باعتبارهم من مأموري الضبط القضائي المشرفين على من عداهم من المأمورين فرجل البوليس ليس من حقه أن يعرض نتيجة تحرياته أو أي عمل قام به على قاضي التحقيق مباشرةً بل يجب عليه أن يعرضه على وكيل النائب العام المنوط به وحده الاتصال بالقاضي، هذا هو المستفاد من نصوص القانون مجتمعه مما يؤكد أن المشروع رأى اتخاذ هذا الطريق عن عمد تمشيًا مع الضرورة التي ألجأته إلى إصدار قانون الإجراءات الجديد والفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق صونًا للمصلحة العامة ومحافظة على حقوق الأفراد وحرياتهم، ولا شك في أن النيابة العامة هي وحدها التي تمثل في الدعوى الجنائية الصالح العام كما أن رجال المحاماة - باعتبارهم الوكلاء عن المتهمين - هم الذين يقومون بواجب الدفاع عنهم والمحافظة على حرياتهم فإذا خصهم المشرع بالحماية أثناء قيامهم بهذا الواجب فمرد ذلك إعطاؤهم كامل الحرية للدفاع عن موكليهم وإظهار براءتهم حتى يحقق غرضًا طالما عملت التشريعات الحديثة على تحقيقه وهو إظهار براءة الجاني بعد أن تحقق الغرض الآخر وهو عدم إفلات المجرم من العقاب بما خوله للنيابة العامة من اختصاصات وشتان إذن بين عمل كل من رجال البوليس والإدارة وعمل رجال المحاماة ولا محل للمقارنة بينهما والقياس بين الحقوق التي خولها الشارع لكل منهما لاختلاف طبيعة العملين، وإنا إذ نقول بهذا الرأي لا نود البتة التقليل من أهمية أعمال رجال البوليس والإدارة المتصلة بالجريمة فهم أسبق الناس إلى مكانها وأقدرهم بمعاونة مرؤوسيهم على السعي وراء جمع الاستدلالات وما يفيد من كشف الحقيقة ولكنهم وقد نيط بهم المحافظة على الأمن مما يكفل منع وقوع الجرائم وزيد من حقوق وسلطان رؤسائهم عليهم وإلحاقهم أصلاً بالسلطة التنفيذية رأى المشرع بحق أن يفصل بينهم وبين سلطة التحقيق وأن يجعل اتصالهم مباشرةً بالنيابة العامة وأتبعهم عند قيامهم بالبحث عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق والدعوى للنائب العام الذي من حقه أن يطلب إلى الجهة المختصة النظر في أمر كل من تقع منه مخالفة لواجباته، وإذا كان الأمر هكذا فالمفروض قانونًا أنه ليس من حقهم دخول غرفة التحقيق إلا في الحدود التي تسمح لهم بالاتصال بوكيل النيابة وإن كان نرى أنه يجب أن يترك هذا الأمر لقاضي التحقيق الذي له أن يقدر إن كان وجودهم بالجلسة يمس العدالة من عدمه فإن رأى أن في وجودهم أو وجود أحدهم بغرفة التحقيق ما يعرقل سير العدالة فعليه أن يطلب منه مبارحة الغرفة.
والذي يبدو مما تقدم أن التشريع المقترح مخالف للقانون نصًا وروحًا وأنه إذا أريد إصدار قانون به لزم إجراء تعديلات أساسية في قانون الإجراءات الجنائية لا ترجى منها فائدة عملية إلا عرقلة سير العدالة وتفويت الحقوق وإنا نعتقد أن في حكمة قضاة التحقيق ما يدعو إلى الأمل الكبير في عدم تكرار مثل هذا الحادث المؤسف حقًا وندعو رجال البوليس والإدارة إلى التذرع بالصبر عند مناقشة الأدلة والبعد عن كل ما يمكن اعتباره تدخلاً في التحقيق.

المبحث الثاني: في انقضاء الدعوى الجنائية

تنقضي الدعوى الجنائية في مواد الجنايات والجنح والمخالفات بوفاة المتهم أو بمضي عشر سنوات من يوم وقوع الجريمة في مواد الجنايات وثلاث سنوات في مواد الجنح وسنة في مواد المخالفات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وبالعفو الشامل وبتنازل مقدم الشكوى أو الطلب المنصوص عليهما في المواد (3) و(8) و(9) من قانون الإجراءات وبالحكم نهائيًا فيها وبالصلح في مواد المخالفات.
( أ ) انقضاء الدعوى بوفاة المتهم: لا يحتاج الأمر إلى شرح بالنسبة لانقضاء الدعوى العمومية بوفاة المتهم لأنه وقد توفي المتهم المطلوب القصاص منه بالدعوى تصبح الدعوى غير ذات موضوع ويتعين انقضاؤها بالطبيعة وهو ما كان يسير عليه العمل قبل قانون الإجراءات الجديد رغم عدم وجود نص صريح يقضي بذلك كنص المادة (14) من قانون الإجراءات.
(ب) انقضاء الدعوى بمضي المدة: أما بالنسبة لانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة فنص المادة (15) إجراءات مأخوذ من المادة (279) تحقيق جنايات مع اختلاف في صيغة الحفظ وفي مقدار المدة اللازمة لانقضاء الدعوى الجنائية في المخالفات ولا يعنينا أن نخوض في الفرق بين صيغتي القانون القديم والجديد، وإنما الذي يعنينا أمران، أولهما أنم مدة السقوط في المخالفات قد جعلت سنة بدلاً من ستة أشهر وثانيهما أن المادة (560) من قانون الإجراءات الجنائية نصت على أن جميع المدد المبينة في هذا القانون تحسب بالتقويم الميلادي خلافًا لما كان يقضي به قانون تحقيق الجنايات الملغى من احتسابها طبقًا للتقويم الهجري وذلك لما يترتب عليهما من تغيير في حالة العمل واختلاف في بيان كيفية سريان مدة السقوط الجديدة في المخالفات وفي احتساب المدد تبعا للتقويم الميلادي أو الهجري.
وإنا نرى للأسباب التي سبق أن أوردناها عند الكلام عن الكلام عن مدى انطباق قاعدة سريان قوانين الإجراءات على الماضي بالنسبة للقوانين المتعلقة بالتقادم أن مدة السنة المذكورة لانقضاء الدعوى في المخالفات تسري من يوم نفاذ القانون الجديد أي من يوم 15/ 11/ 1951 بمعنى أن كل مخالفة لم يكن قد انقضى على تاريخ وقوعها ستة شهور هلالية في يوم 14/ 11/ 1951 لا تسقط إلا بمضي سنة ميلادية من وقت وقوعها فإذا كانت المخالفة واقعة في أول يونيو سنة 1951 فلا تنقضي الدعوى فيها إلا في نهاية يوم 1/ 6/ 1952 وليس للمتهم في هذه الحالة أن يدعي أنه اكتسب حقًا في انقضاء الدعوى ضده بمضي ستة أشهر هلالية ما دام أن هذه المدة لم تنقضِ بعد عند تنفيذ القانون (تراجع الأسباب التي سبق شرحها في بيان القاعدة)، ويجب أن تحتسب المدة بعد ذلك بالتقويم الميلادي دون غيره لأن المفروض أن القانون الجديد أقدر من القانون القديم على تحقيق مصلحة الجماعة ولا اعتبار في هذه الحالة لمصلحة الفرد الذي عمد إلى التهرب من وجه العدالة ومما يلفت النظر في هذا المقام ما جاء بالبند (81) من تعليمات النيابة العامة في شأن تنفيذ قانون الإجراءات الجنائية من أنه يظل العمل بالقانون الملغى بالنسبة لمدة السقوط في المخالفات فتنقضي الدعوى الجنائية فيها بمضي ستة أشهر هلالية حتى ولو لم تكن هذه المدة قد انقضت عند العمل بالقانون الجديد وذلك عملاً بالمادة (5) من قانون العقوبات التي لم يأتِ القانون الجديد باستيفاء لها - وما جاء بالبند (254) من هذه التعليمات من أن مدة العقوبة المحكوم بها بعد تاريخ تنفيذ القانون الجديد تحتسب بالتقويم الهجري متى كان الحكم صادرًا عن واقعة سابقة على تاريخ التنفيذ - ويبدو أن النيابة العامة أخذت بأضعف الآراء وفاتها أن استنادها إلى المادة الخامسة من قانون العقوبات غير سليم لأن هذه المادة خاصة بذات الجريمة أي بموضوعها دون الإجراءات الموصلة للتحقيق والمحاكمة والتنفيذ التي تحكمها قاعدة عامة مسلم بها، فيجب إذن احتساب مدة العقوبة المحكوم بها بعد 15/ 11/ 1951 عن جريمة وقعت قبل هذا التاريخ بالتقويم الميلادي وخاصةً وأن القاضي عند حكمه إنما ينظر لقواعد الإجراءات السارية وقت صدور الحكم ولا يمكن أن يدور في خلده العمل بقواعد قضى عليها بالموت ولا شك أنه أدخل في تقديره عند تحديد مدة العقوبة عوامل تنفيذها.
ولا توقف المدة المسقطة للدعوى الجنائية وإنما تنقطع بإجراءات الاتهام أو التحقيق أو المحاكمة وكذلك بالأمر الجنائي أو بإجراءات الاستدلال إذا اتخذت في مواجهة المتهم أو أخطر بها بوجه رسمي وتسرى المدة من جديد من يوم الانقطاع على أن لا تطول المدة المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية بسبب الانقطاع لأكثر من نصفها وانقطاع المدة بالنسبة لأحد المتهمين تقطعها بالنسبة للآخرين.
وأخذًا بالقاعدة العامة بالنسبة لسريان قوانين التقادم على الماضي كان يتعين انقضاء أي دعوى مضى على تاريخ وقوعها 15 سنة بالنسبة للجنايات، أربعة ونصف بالنسبة للجنح، سنة ونصف بالنسبة للمخالفات قبل العمل بالقانون الجديد إلا أن المشرع رأى أن يخالف القاعدة العامة المشار إليها فأصدر القانون رقم (178) لسنة 1951 بما يضمن سريان نصف المدة المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة (17) اعتبارًا من 15/ 11/ 1951 فلا تسقط الجناية إلا بعد مضي خمس سنوات من هذا التاريخ ولا الجنحة إلا بعد مضي سنة ونصف منه ولا المخالفة إلا بعد مضي ستة شهور.
(ج) انقضاء الدعوى الجنائية بالعفو الشامل: العفو الشامل هو محو الصفة الجنائية عن الفعل ولا يكون إلا بقانون كنص المادة (152) من الدستور وهو بمثابة تنازل من الهيئة الاجتماعية عن حقوقها قبل الجاني ويجوز صدوره في أية حالة كانت عليها الدعوى فإذا صدر عن فعل معين فلا يجوز رفع الدعوى بشأنه وإن رفعت قضت المحكمة بعدم جواز نظرها وإذا صدر بعد رفع الدعوى تقضي المحكمة بانقضائها وبراءة المتهم.
(د) انقضاء الدعوى الجنائية بالتنازل: نصت المادة (10) من قانون الإجراءات على أنه لمن قدم الشكوى أو الطلب في الأحوال المشار إليها في المواد (3) و(8) و(9) أن يتنازل عن الدعوى في أي وقت إلى أن يصدر في الدعوى حكم نهائي وتنقضي الدعوى بالتنازل وفي حالة تعدد المجني عليهم لا يعتبر التنازل إلا إذا صدر من جميع من قدموا الشكوى، والتنازل بالنسبة لأحد المتهمين يعتبر تنازلاً بالنسبة للباقين، وإذا توفي الشاكي فلا ينتقل حقه في التنازل إلى ورثته إلا في دعوى الزنا فلكل واحد من أولاد الزوج الشاكي من الزوج المشكو فيه أن يتنازل عن الشكوى وتنقضي الدعوى.
ولقد شرحنا الحالات المبينة في المواد (3) و(8) و(9) من القانون عند الكلام عن القيود المفروضة على حق النيابة العامة في تحريك الدعوى ومباشرتها.
(هـ) انقضاء الدعوى الجنائية بالحكم فيها نهائيًا: نصت المادة (454) إجراءات على أن الدعوى الجنائية تنقضي بالنسبة للمتهم المرفوعة عليه والوقائع المسندة فيها إليه بصدور حكم نهائي فيها بالبراءة أو بالإدانة فما دام أن الحكم الصادر فيها قد حاز قوة الشيء المحكوم فيه فلا يجوز العودة إليها إلا في الحالات المبينة في القانون.
(و) انقضاء الدعوى الجنائية في المخالفات بالصلح: تنقضي الدعوى الجنائية في مواد المخالفات بالصلح وهو فيها إذا لم ينص القانون على عقوبة الحبس بطريق الوجوب أو على الحكم بشيء آخر غير الغرامة أو الحبس كالإغلاق أو الإزالة ويجب على محرر المحضر في الأحوال الجائز فيها الصلح أن يعرضه على المتهم ويثبت ذلك في المحضر وإذا لم يكن المتهم قد سُئل به وجب أن يعرض عليه الصلح بإخطار رسمي، وعلى المتهم الذي يرغب في الصلح أن يدفع في ظرف ثلاثة أيام من يوم عرضه عليه مبلغ 15 قرش في الحالة التي لا يُعاقب فيها القانون بغير الغرامة وخمسين قرشًا في الحالة التي يجيز فيها القانون الحكم بالحبس أو بالغرامة وخمسين قرشا في الحالة التي يجيز فيها القانون الحكم بالحبس أو بالغرامة بطريق الخيرة، ويكون الدفع إلى خزانة المحكمة أو إلى النيابة العامة أو إلى أي شخص مرخص له بذلك من وزير العدل، وتنقضي الدعوى الجنائية بدفع مبلغ الصلح، هذه هي النصوص كما جاءت في المادتين (19)، (20) من قانون الإجراءات الجنائية وهي تقابل النصوص الواردة في المواد من (46 - 48) من قانون تحقيق الجنايات الملغى مع اختلاف في بيان الحالات الجائز فيها الصلح والاشتراطات اللازمة لقبوله وفي وجوب عرضه على المخالف وفي مقدار المبلغ الواجب دفعه، والذي يبدو جليًا من مراجعة النصوص الجديدة أن المشرع توسع كثيرًا في أحوال الصلح في المخالفات بما يشمل غالبيتها وأوجب عرض الصلح على المخالفين ولعله قصد من ذلك تقليل قضايا المخالفات التي يمكن أن تقدم للمحاكمة وافترض مقدمًا أن المخالف سيقبل دفع مبلغ الصلح فلم يجز توقيع العقوبة بأمر جنائي في المخالفات لأن المخالفات التي لا يجوز فيها الصلح هي تلك المخالفات الواجب فيها الحكم بالحبس أو بشيء آخر غير الحبس أو الغرامة وهو مما لا يدخل في اختصاص قاضي الأوامر الجنائية الحكم به، وإنا نرى أن منطق المشرع وإن كان سليمًا من الناحية الفقهية البحتة إلا أنه لا يستقيم ولن يستقيم مع الواقع فسيحجم غالبية المخالفين عن قبول الصلح ودفع مبلغه فتقدم قضاياهم للمحاكمة بالجلسات التي ستصبح سريعًا في حالة تضخم عددي يرهق القاضي في التافه من القضايا ويوقعه في الخطأ في القضايا الهامة كالجنح أو غيرها وهي التي تجتاح إلى مزيد من عناية القاضي وجهده لجسامتها وخطورة ما يترتب على الحكم الصادر فيها - وكان الأولى بالمشروع أن يبقي على نظام الأوامر الجنائية بالنسبة للمخالفات مع التوسع المنشود في الصلح والنص على عدم جواز الطعن في الأمر الجنائي الصادر بعقوبة صحيحة من الناحية القانونية متى كانت العقوبة المقضى بها لا تزيد عن قيمة الصلح فإذا تم الطعن بالمعارضة في الأمر طبقًا للقانون وجب على القاضي متى ثبت أمامه إدانة المخالف أن لا ينزل عن العقوبة المقضى بها في الأمر وحق له تشديدها بما يضمن التقليل من السعي وراء تطويل التقاضي.
وسينشأ عن تنفيذ القانون الجديد بالنسبة لقواعد الصلح في المخالفات بعض إشكالات وقتية أهمها معرفة إن كان يجب عرض الصلح طبقًا لنصوصه - على المخالفين والمخالفات التي وقعت قبل تنفيذه والتي لم يكن قد تم التصرف فيها أم أنها تقدم مباشرةً للجلسات للحكم فيها ومعرفة ما يتبع في قضايا المخالفات التي طلب فيها إصدار أمر بتوقيع العقوبة على المخالفين في تاريخ سابق على يوم 15/ 11/ 1951 ولم يصدر القاضي فيها أمره بعد، لا شك أنه يمتنع على القاضي إصدار أمر بتوقيع العقوبة على المخالفين بعد 14/ 11/ 1951 حتى ولو كان قد طلب منه توقيع العقوبة في تواريخ سابقة لانعدام ولايته بإلغاء نظام الأوامر الجنائية في المخالفات اعتبارًا من 15/ 11/ 1951 وليس أمامه إلا أن يُعيد القضايا للنيابة العامة لتجري شؤونها فيها، ومما يجري على هذه القضايا المعادة هو ذات ما يجري على قضايا المخالفات المتعلقة بأفعال واقعة قبل يوم التنفيذ ولم يكن قد تم التصرف فيها حتى هذا اليوم وهو التصرف فيها طبقًا لقانون الإجراءات الجديد وعلى النيابة أو مندوبها في الحالين أن يعرضوا الصلح على المخالفين إذا توفرت شرائطه أن تقدم الباقي للمحاكمة أمام القاضي الجزئي، وذلك على اعتبار أن تخصيص القاضي الجزئي للحكم في المخالفات إنشاء شامل لاختصاص جديد يسري من يوم نفاذ القانون الذي يحتم عرض الصلح في الحالات الجائز فيها على المخالفين فإذا تغاضت النيابة العامة عن عرض الصلح على المخالفين بالوجه الذي يحتمه القانون الجديد يكون تصرفها محل نظر.


          

رقم الصفحة : (1) من إجمالي  6

     إلي :        


 
 
الانتقال السريع          
  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 2939 / عدد الاعضاء 62