بعيدا عن السياسة
الأمانة التي ضيعتاها..
محنة الأمة .. غياب القائد
بقلم : صالح عينر
((( الامة تنجح في تحقيق علامة من علامات قيام الساعة ..! )))
الحكمة العربية القديمة تقول :
((( جيش من الارانب يقوده أسد أفضل من جيش من الاسود يقوده أرنب ))) .
ذلك ان القائد الكفء يكون ناجحا ويتوقف عليه نجاح اتباعه الى ابعد حد ..
ولم يقول العرب هذا المثل من فراغ اذ ان القائد يولد ولا يخلق ..
لان القائد له صفات فطرية وهبها الله له ؛ من الممكن ان تنمى وتثقل بالتجارب والعلم والتجربة ..
لكن هذه الموهبة او الصفات والقدرة على القيادة ان لم تكن موجودة بالفطرة فلن يتمكن احد من ايجادها من العدم فى هذه الشخصية ..
لانها موهبة وليست اصطناع ..
نعم اذا وجدت .. يثقلها فيما بعد العلم وتسمو بها التجربة ؛ وترفع من شأنها الخبرات .. لكن هذه عوامل تضاف لموهبة القيادة الفطرية موجودة من الاساس ..!
وأما القيادة اليوم علي شتي المستويات فلها شأن أخر ..!
فقد تتعجب كثيراً عندما تتأمل تصرفات كثير من القيادات .. تنظر امامك فتصاب بالغثيان .. وتنظر يسارك فتصاب بالاحباط ؛ وتنظر عن يمينك فتنفزع من انعدام الكفاءة ؛ وتنظر خلفك فتبكى على حال الامة المنحدر .. !
اذا الاصل ان القائد بصفاته وقدراته هو الذى يصنع الاتباع ؛ بما ملك من مواهب وقدرات خاصة ..!
اما ان يأتي الاتباع بمن يصدرونه للمقدمه .. ليكون قائداً رغم فقدانه موهبة القيادة والياتها فهذا ما يضيع العباد ويدمر اليلاد ..!
وانظر الي واقعناً .. اما القائد غير موجود .. واما غير كفء .. وعلي شتي المستويات ..!!
وهذا سبب محنة اليوم ؛ أن الاتباع هم الذين يصنعون من بعض الشخصيات قادة ؛ يقومون باختيارهم على اسس مختلفة ؛ قد تكون هذه الاسس النزعة الدينية أو النزعة القبلية أو النزعة السياسية أو المحاباة أو مجرد اثبات الذات لدى المسئولين وفرض ارادتهم وكونهم قوة تستطيع فرض اراداتها والتحكم في سير الاحداث وصناعة التاريخ .. ويكون هذا الاختيار ليس حسب القدرة والكفاءة بل انطلاقاً من هذه الاسس ..
وهذا ما تنبأ به النبى محمد اذ سأله سائل : متى الساعة ؟ فقال النبى صلي الله عليه وسلم : اذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة . فقال الرجل : وكيف اضاعتها ؟ فقال النبى صلي الله عليه وسلم : اذا وسد الامر الى غير اهله فانتظر الساعة .. حتى انك تستطيع ان تجزم يقينا باسناد الامر لغير اهله فى شتى المجالات ..
انتبهوا ايها السادة :
الموهبة .. والصلاح ..
صلاح المرء فى حد ذاته ليس كافيا حتى يتبوأ مكان القيادة ..
فقد يكون المرء مفكراً ..
اديباً بارعاً ..
عالماً مجتهدا متمكناً ..
تقى ورع ..
عالم علامة ..
حبر فهامة ..
لكن كل هذه الامور لاتعطية القدرة على القيادة الا في مجاله مع وجود موهبة القيادة ( حتي في مجاله ....
فالقدرة على القيادة لابد ان يكون لصاحبها قدرات خاصة ؛ وصفات تؤهل صاحبها لهذه القيادة ..
وقد يكون شخص أهل لان يقود فى مجال ما ؛ لكنه لايصلح لمجال اخر ..
والصلاح كما قلنا يختلف عن القدرة على القيادة ؛ فالقيادة كما ذكرنا موهبة فطرية .. ؛ وهكذا كانت رؤية النبى صلي الله عليه وسلم فى اصحابه .. يقدم بعضهم على بعض ؛ فيكون اختيار النبى صلي الله عليه وسلم اختيار الرجل المناسب فى المكان المناسب ؛ مثل اختيار خالد بن الوليد او عمرو بن العاص او معاذ بن جبل ؛ حتى اطلق النبى صلي الله عليه وسلم على خالد بن الوليد ( سيف الله المسلول ) ..
وذات يوم يقول عمر بن الخطاب – ونحن نعلم قدرة عمر بن الخطاب وصوابه فى الحكم على معادن الرجال - عن عمرو بن العاص : ( ما ينبغى لعمرو ان يسير على الارض الا اميراً ) .. ومع ذلك قد يمنعها - اي الامارة - النبى صلي الله عليه وسلم من صحابة اخرون ...
فقد طلبها ابو ذر الغفارى ( جند بن جنادة ) .. لكن النبى رفض وقال له :
يا ابا ذر : انك ضعيف انها امانة وانها يوم القيامة خزي وندامة الا من اخذها بحقها وادي الذي عليه فيها ..
انه ضعيف وانها امانة ..
وما كان النبى صلي الله عليه وسلم ليضيع الامانة ...
وليس هذا طعنا من النبى صلي الله عليه وسلم في تقوي وصلاح ابي ذر .. كلا .. ثم كلا ..
فقد وقف النبى يوما ليقول عن أبى ذر :
( ما اقلت الغبراء ولا اظلت الصحراء اصدق لهجة من ابى ذر ) ..
هذه شهادة للنبى فى فصاحة وبلاغة ابى ذر الغفارى ..
فهي شهادة له بكونه يملك القدرة لان يكون مناظراً .. او داعية .. او خطيبا متمكنا من ادوات الخطابة .. اما ادوات الامارة والقدرة علي القيادة والادارة فلها شأن اخر .. وهذا ما فرق بينه النبي محمد صلي الله عليه وسلم ..
ومن ثم رفض النبى ذو البصيرة الثاقبة بشخصيات الرجال والعلم بقدرات اصحابة ومن حوله تولية ابى ذر الغفارى الامارة ...!
فقد يصلح ابو ذر لان يكون عالما مفوها ؛ وخطيبا فصيحا ؛ ومناظراً بليغاً ؛ ولكنه كما اجزم النبى - صلي الله عليه وسلم - لايصلح للامارة التى تتطلب صفات خاصة للقائد .. اما تقواه وصلاحه فهو شىء مسلم به لايقدح فيه عدم توليه الامارة ..
من هنا لابد للقيادة من صفات تتوافر لمن يتم اختيارة قائد ..
فلابد ان تكون لدية القدرة على القيادة بالياتها .. واعظم الياتها القدرة علي فهم الواقع وتقديم المهم فالاهم ..
وكم من رجل تقى صالح قتله تقواه اذا تولى القيادة ؛ وارجع لسيدنا عثمان بن عفان حينكما التف حوله السياسيون الخبثاء بمكرهم .. بينتما الرجل التقي الورع وثق فيهم .. فقامت اول فتنة ليقتل عثمان – رضي الله عنه – بسبب ثقته بمن حوله وعدم درايته بكثير من خبيث السياسيون حوله ....
اذ للقيادة حنكة وقدرة تختلف عن صلاح المرء .. واقرأ التاريخ كما تشاء لتجد كثير من الرجال الصالحون الذين يشهد لهم بالصلاح قتلتهم غياب حنكة القائد ؛ وغياب صفات القائد عنه .. لانها لم تكن موجودة لدية ..
اذا ً صلاح المرء فحسب ليس كافيا لاختياره قائداً ..!!
بل لابد من وجود قدرته الفطرية على القيادة ؛ مابالنا ان يكون الاختيار لمجرد هوى .. او نزعة سياسية .. او نزعة دينية .. او نزعة قبلية .. او فرض امر لمجرد شعور الذى يختار بسطوته ونفوذه .. وهذه محنة اليوم ..
ومن ثم فانه فى شتى المجالات يحزنك ما ترى من شخصيات يفترض فيها انها تقود فى مجالها .. ايا كان موقعها .. وايا كان مسماها .. فاثبت التجرب التى يتعرضون لها انهم ما كانوا يتبغى ان يتبوأوا هذه الاماكن القيادية بأى حال من الاحوال ..!!
وسوف تزعجك الدارسة المتأملة للعديد للشخصيات المحترمة التى لديها القدرة الفائقة على القيادة ومع ذلك ترى هذه الشخصيات تنزوى بعيدأ عن تبوأ اى مكان للقيادة ..!
لانهم لاينتمون الى احزاب سياسية ..!
ولو انتموا فلن ينافقوا اصحاب الاختصاص بالاختيار ..!
او حتى لن يختارهم هؤلاء خوفاً على اماكنهم ..لان من يقوم بالاختيار يريد التخلص ممن هو افضل منه فيحطمة بطريقه او اخري ..!
وكذلك اصحاب الكفاءة : لاينتمون الى نزعة دينية او قبلية او حزبية ..! ومن ثم ينزوون بعيداً..!
وهذه محنة الامة غياب اصحاب الكفاءت من اصحاب القدرة على القيادة .. واسناد امر القيادة الى غير اهله .. لان اختيار القادة اصبح له قواعد لاتأتى بالاصلح للقيادة ؛ بقدر ما تأتى للاطوع الذى يسمع ويطيع ..! لاتجاه أواتجاهات معينة ..1
انها امانة القيادة او اختيار القيادة التى ضيعتها الامة ؛ واوضح ما تكون فى اليوم في مصر وخارجها وعلي شتي المستويات ..!
وربما نكون قد حققنا احدي علامات يوم القيامة التي تنتظر الساعة من بعدها كما قال الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم : اذا وسد الامر لغير اهله فانتظر الساعة ..!