أحمد الله تعالى على ما من به علي من إتمام هذا البحث وأعرض فيه أهم ما توصلت إليه على النحو التالي :
1- سعة الشريعة الإسلامية ومعالجتها لجميع مناحي الحياة وهى تعد بحق مرجعاً أساساً للأنظمة الموضوعية والإجرائية .
2- أن إعداد قائمة الدعاوى هى من مهام كاتب الضبط ، وفي الفقه الإسلامى نجد أن الفقهاء قد ذكروا أن على القاضي أن يرتب الناس إذا كثروا على بابه بأن يجعل أسماءهم في رقاع على حسب الأيام ، وكل رقعة يكون فيها أسماء المتخاصمين في ذلك اليوم وهكذا ، وهذا ما عناه النظام من قائمة الدعاوى .
3- ذكر النظام أنه ينادى على الخصوم في الساعة المعينة لنظر قضيتهم ، وفي الفقه الإسلامي لا نجد إشارة صريحة إلى المناداة ، وإنما يذكر الفقهاء أن أعوان القاضي يرتبون الدخول على القاضي دون أن يشيروا إلى المناداة ، وعليه القول إن المناداة أمر مشروع تقتضيه المصلحة لما فيه من حفظ النظام داخل المحكمة .
4-جاء في النظام أن المرافعة تكون علنية إلا إذا رأت المحكمة جعلها سرية إما حفاظاً على النظام أو مراعاة للآداب العامة أو لحرمة الأسرة ، وفي الفقه الاسلامي لا نجد إشارة إلى ذلك ، ولكن بالنظر في آداب القضاء التي يذكرها الفقهاء ومكان التقاضي نجد أن كثيرا منها يدل على علانية الجلسات كالقضاء في المسجد وأن يكون في مكان بارز ، كما ذكر بعضهم أن القاضي لا يمنع أحداً من الدخول عليه لأن في جلوسه وحده تهمة له ، وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا أقل من أن يعطي ولي الأمر الحق في فرض ذلك وجعل المرافعة علنية .
5-جاء في النظام أن المرافعة تكون شفوية ، وأن هذا لا يمنع من تقديم الأقوال والدفوع في مذكرات مكتوبة تتبادل صورها بين الخصوم ، وفي الفقه الإسلامي نجد أن الفقهاء لم يختلفوا في شفوية المرافعة وإنما وقع الخلاف في تقديمها مكتوبة على أقوال :
القول الأول :
أن الأصل في الدعوى أن تكون مشافهة باللسان ، لكن إذا عجز المدعي عن ذلك لدهشة أو حصر ونحو ذلك جاز أن يكتبها محررة ويقرأ الدعوى أمام القاضي بمواجهة خصمه من الصحيفة بلسانه .
القول الثاني :
أن الدعوى إذا كانت طويلة متشعبة كثيرة الفصول والمعاني وكان التنازع فيه مالاً كثيراً فيجب تقييدها وتقديمها للقاضي مكتوبة .
القول الثالث :
جواز تقديم الدعوى مكتوبة لكن لا تكفي الكتابة عن النطق بل تجب قراءتها على الخصمين مع علم القاضي .
القول الرابع :
أن الدعوى لا تقبل مكتوبة من المدعي ، بل لابد من المشافهة .
والراجح هو القول الثالث .
6- جاء في النظام أن الدعوى لابد وأن تكون محررة ، وإذا لم تكن كذلك فعلى القاضي سؤال المدعي عما هو لازم لتحرير دعواه كما أن ليس له رد الدعوى لتحريرها ولا السير فيها قبل ذلك ، وفي الفقه الإسلامي نجد أن أكثر من تحدث عن تحرير الدعوى بهذا المصطلح هم فقهاء الحنابلة فذكروا أن الدعوى لا تسمع إلا محررة وخالف في ذلك ابن تيمية حيث ذهب إلى ضعف هذه المسألة استدلالاً منه بحديث الحضرمي ، ويرى ابن تيمية عدم رد الدعوى لتحريرها بل يستفصل الحاكم من المدعي عما أجمل في دعواه .
وأما غير الحنابلة فيذكرون تحرير الدعوى ولكن ليس بهذا المصطلح حيث ذكروا أن الدعوى لابد وأن تكون معلومة ببيان قدر المدعي ونوعه وجنسه ونحو ذلك .
7- جاء في النظام أن المدعى عليه إذا امتنع عن الجواب كلياً أو أجاب بجواب غير ملاق للدعوى فإن القاضي يكرر عليه طلب الجواب الصحيح ثلاثاً في الجلسة نفسها فإذا أصرّ على ذلك عّده ناكلاً بعد إنذاره ، وفي الفقه الإسلامي نجد أن الفقهاء اختلفوا في حكم الممتنع عن الجواب فذهب بعضهم إلى أنه يجبر على الجواب بالضرب ثم بالحبس فإن أصرّ عده ناكلاً وحكم عليه بلا يمين من المدعي .وذهب آخرون إلى أنه لا يجبر على الجواب وإنما إذا امتنع عن الجواب وأصرّ على ذلك فإنه يعد ناكلاً ويحكم عليه مع يمين المدعي إذا كانت الدعوى مما تثبت باليمين ، وإلا فلا بد من البينة .
وذهب آخرون إلى أنه يعد في حكم المنكر .
8- جاء في النظام أن للقاضي إمهال الخصم للجواب متى رأى ضرورة ذلك كما أنه لا يجوز تكرار المهلة لجواب واحد إلا لعذر شرعي يقبله القاضي .
وفي الفقه الإسلامي نجد أن بعض الفقهاء ذكر أن الدعوى إذا كانت طويلة كثيرة الفصول فإن الخصم يمهل للجواب عنها من غير تحديد لمدة ومرجع ذلك اجتهاد القاضي ، وأما إذا كانت الدعوى سهلة واضحة قريبة المعنى وطلب الخصم الإمهال فإنه لا يجاب لطلبه . وذهب بعض الفقهاء إلى عدم إمهاله وأن يلزم بالجواب عن الدعوى في الحال .
وأما تكرار المهلة لجواب واحد فلا نكاد نجد من تطرق إليه من الفقهاء ولكن يمكن القول بأن ذلك جائز إذا كان هناك ما يبرر ذلك قياساً على تكرار المهلة لإحضار البينة لمن ادعى أن له بينه يريد إحضارها .
9- جاء في النظام أن باب المرافعة يقفل بمجرد إنتهاء الخصوم من مرافعتهم ، ومع ذلك فللمحكمة قبل النطق بالحكم أن تقرر من نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم فتح باب المرافعة وذلك لأسباب مبررة .
وفي الفقه الاسلامي لا نجد من تطرق من الفقهاء إلى قفل باب المرافعة بهذا المصطلح ولكن بالنظر في قفل باب المرافعة .
والمراد به في النظام نجد أنه يشتمل على أمرين :
الأول : استيفاء جميع ما لدى الخصوم من أقوال ودفوع ، وهذا ما يتطرق إليه الفقهاء في باب الإعذار وهو أن يقول القاضي لمن توجه الحكم عليه : أبقيت لك حجة ؟ وأكثر من تطرق إلى مسألة الإعذار من الفقهاء هم المالكية حيث استطردوا في ذلك وفصلوا .
الثاني : وهو نتيجة للأول أن القاضي لا يعتد بما يقدمه الخصوم بعد قفل باب المرافعة إلاّ ما استثناه النظام وهو ما جاء في اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات في المادة (66/2) وفيها " إذا قرر أحد المتداعيين عجزه عن البينة ثم أحضرها فعلى القاضي سماعها خلال نظر الدعوى وحتى تصديق الحكم ، وأما الفقهاء فقد اختلفوا في حكم سماع البينة بعد الحكم على ثلاث أقوال:
القول الأول : أنها تسمع مطلقاً .
القول الثاني : أنها لا تسمع مطلقاً .
القول الثالث : أنها تسمع من الطالب دون المطلوب .
وهذا الخلاف إنما هو في سماع بينة الخصم بعد الحكم بعجزه عن البينة بناء على إقراره على نفسه بالعجز ، وأما إذا كان تعجيزه عن البينة بعد الإعذار والإمهال وهو يدعي أن له حجة فلا يقبل منه إتفاقاً .
10- جاء في النظام أن للخصوم أن يطلبوا من المحكمة في أي حال تكون عليها الدعوى تدوين ما اتفقوا عليه من إقرار أو صلح أو غيره وأن على المحكمة إصدار صك بذلك ، وهذه في الحقيقة صورة من صور تدوين وقائع المرافعة ، وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى إجابة طلب الخصم أن يكتب له محضراً بما جرى وذهب آخرون إلى عدم وجوب ذلك ، وذهب ابن تيمية إلى أنه يجب إن تضرر الخصم بتركه .
11- جاء في النظام أن كاتب الضبط يقوم تحت إشراف القاضي بكتابة وقائع المرافعة في دفتر الضبط ويذكر تاريخ وساعة إفتتاح كل مرافعة وساعة اختتامها واسم القاضي والمتخاصمين ثم يوقع عليه القاضي وكاتب الضبط ومن ذكرت أسماؤهم فيه .
وفي الفقه الإسلامي نجد أن الفقهاء اختلفوا في تدوين وقائع المرافعة على أقوال :
القول الأول : وجوب ذلك إذا طلبه أحد الخصمين .
القول الثاني : أن ذلك لا يجب ولو طلبه أحد الخصمين .
القول الثالث : أن ذلك واجب ولو لم يطلب أحد الخصمين .
القول الرابع : إن الدعوى إذا كانت طويلة كثيرة الفصول والمعاني فإنه يجب تقييدها .
القول الخامس: أن ذلك يجب إذا طلبه أحد الخصوم وكان يتضرر بتركه .
والقول الراجح هو القول الثالث والله تعالى أعلم .
وقد اختلف الفقهاء في إجراءات تدوين وقائع المرافعة وذلك نظراً لاختلاف رسم القضاة من زمن لآخر .
12- هناك آداب يجب أن يراعيها القاضي وأخرى يراعيها الخصوم في مجلس القضاء وهى كالتالي :
آداب القاضي في مجلس القضاء :
1- أن يكون مكان جلوسه مرتفعاً.
2- أن يكون محل جلوسه متميزاً عن جلساته .
3- أن يجلس للقضاء وهو متهيؤ لذلك .
4- المساواة بين الخصمين .
5- أن يجعل كاتبه بجانبه .
6- أن لا يكثر من القضاء جداً .
7- أن يجلس وعليه السكينة والوقار .
آداب الخصوم في مجلس القضاء :
1- أن يجلس الخصوم بين يدي القاضي .
2- أن يجلس الخصوم قريباً من القاضي غير ملاصقين له .
3- أن يتقارب الخصمان عند جلوسهما أمام القاضي.
4- أن يكون كل واحد من الخصمين محاذياً للآخر عند الجلوس
5- أن يجلس الخصمان بوقار وسمت .
13- جاء في النظام أن ضبط الجلسة وإدارتها منوطان برئيسها وله في سبيل ذلك أن يخرج من قاعة الجلسة من يخل بنظامها ، وإن لم يتمثل كان للمحكمة أن تحكم على الفور بحبسه مدة لا تزيد على أربع وعشرين ساعة ويكون حكمها نهائياً ولها أن ترجع عن ذلك الحكم .
وفي الفقه الإسلامي نجد أن الفقهاء يعتنون بمجلس القضاء والمحافظة على حرمته من أن تنتهك ويذكرون في سبيل ذلك أن للقاضي أن يسوء نظره على من صدر منه إساءة للأدب ونحوه وكذلك له أن يرفع صوته بل له أن يعزر بالضرب أو الحبس وغيرهما مما يراه القاضي مناسباً لكل من يصدر منه إساءة للأدب ونحو ذلك .
وبهذا تم هذا البحث بخاتمته ، ولا أدعي فيه تميزاً أو كمالاً وإنما هو جهد المقل ، والله أسأل أن ينفع به كاتبه وقارئه وإنه سميع مجيب .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
المحامي فهد بن منصور العرجاني
ايميل :methag-alahd@hotmail.com
جوال / 0531111745
هاتف المكتب /015444447
ص.ب 20066 رمز11942