الــــــــرضـــــــاع
المقدمة:-
اقتضت حكمه الله سبحانه وتعالى أن يخلق الإنسان من ماء والدية ففي بطن أمه
تراصت عظام جسمه والتحمت أعصابه وتمت أعضائه من رأسه إلى قدمه وبعد
الانفصال من أمه نما وزاد وصار اللبن جزءاً منه بغذائه به فقويت عظامه واشتدت
أعصابه ، وتمكن كل منهما على القيام بالحركة ولولا هذا الغذاء لتهدمت أركانه
ووقفت دقات قلبه وهبطت أنفاسه فهذا اللبن هو الغذاء الوحيد والسبب في قوته وهو
الغذاء الذي لا يصلح غيرة للإنسان فهذا هو ابن النسب أما ابن الرضاع فلم يتحقق
عنده ولم ينل ن أمه رضاعاً إلا البن فقط ، ومعلوم أن اللبن منفصل من جسم المرأة
فهو جزء منها أحسنت به إلى الرضيع لينمو ويقوى على الحركة فتستحق من أن
يقابل هذا الإحسان بإحسان مثله لا بالإيذاء والأضرار بها ،والنزاع والشقاق اللذان قد
يكونان بين الزوجين والنكاح إذلال للمرأة لا يصح أن يكون لمن صار جزءاً منها
برضاعه كيف يجوز نكاحها وهي تشفق عليه دائماً وتخاف عليه ويظهر ذلك فيما
وقع للرسول صلى الله عليه وسلم مع مر ضعته السيدة حليمة حينما سمعت بشق
صدره صلى الله عليه وسلم فردته إلى أمه مخافة أن يصبه سوء والرضيع يحن إلى
أمه من الرضاع فيصيح إذا غابت عنه ، وقد سمى الله سبحان وتعالى المرضعة أما
وقد أوصى بها في كثير من كتابة فحرم نكاحها منعا لإيذائها ولم تثبت له جميع أحكام
ولد النسب ومعلوم انه خلق من ماء والدية
وروى أبو الطفيل انه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لحماً بالجعرانه إذ
أقبلت امرأة فدنت إليه فبسط لها صلى الله عليه وسلم رداءة فجلست عليه فقلت من
هذه ؟ قالوا أمه التي أرضعته 0 فدل هذا الخبر على أن المرضعة تكون أما(1) 1- صحيح ابن حبان ج 10 ص 4 طبعة مؤسسة الرسالة الطبعة الثانية - بيروت)
لقد كان لحرمة الرضاع في الجاهلية حق مرعي(2) 2- مكارم الأخلاق ج 1 ص116 طبعة مكتبة القرآن _ القاهرة حكي محمد بن اسحاق انه لما سبيت هوزان قبيلة السيدة حليمة السعيدية مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم وغنمت أموالهم بحنين قدمت وفودهم على رسول اللة صلى الله عليه وسلم فقام فيهم زهير بن صرد فقال يا رسول اللة : إنما من الحظائر عماتك وخالاتك وحوا ضنك اللاتي كن أيرضعنك ويكفلنك ولو أملجنا " أرضعنا " للحارث بن أبى شمر أو النعمان بن المنذر ثم نزل منا شمل ما نزلت به رجونا عطفه وتأييده عائد تته وأنت خير المكفولين ثم انشد:-
امـنن عليـنا رســول الله في كــرم *** فانــك المـــرء نرجــوه وننتـــظر
امنن علينا نشوة قد كنت ترضعها *** إذ فوك يملؤه من مخضها الدرر
أن لم تـــداركنا نعمـــاك ننشــرها *** يا ارجـــح الناس حـلماً حين يختبر
أنا لنشـــكر آلاء وان كـــفرت *** وعنـــدنا بعــد هذا اليـــوم مــدخر
لما كان من المقصود من النكاح الولد وهو لا يعيش غالبا في ابتداء إنشائه
إلا بالرضاع وكان له أحكام تتعلق به وهي من آثار النكاح(*) * - (*) الموسوعة الفقهية وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت- حرف ( ر )
( الحكم التكليفي ) : أولا : حكم الإرضاع :
لا خلاف بين الفقهاء في أنه يجب إرضاع الطفل ما دام في حاجة إليه وفي سن الرضاع .
واختلفوا في من يجب عليه . فقال الشافعية والحنابلة : يجب على الأب استرضاع ولده ولا يجب على الأم الإرضاع , وليس للزوج إجبارها عليه , دنيئة كانت أم شريفة في عصمة الأب كانت أم بائنة منه إلا إذا تعينت بأن لم يجد الأب من ترضع له غيرها أو لم يقبل الطفل ثدي غيرها ؛ أو لم يكن للأب ولا للطفل مال ؛ فيجب عليها حينئذ ولكن الشافعية قالوا : يجب على الأم إرضاع الطفل اللبأ وإن وجد غيرها واللبأ ما ينزل بعد الولادة من اللبن لأن الطفل لا يستغني عنه غالبا ؛ ويرجع في معرفة مدة بقائه لأهل الخبرة . وقال الحنفية : يجب على الأم ديانة لا قضاء .
واستدل الجمهور على وجوب الاسترضاع على الأب بقوله تعالى : ( وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى )
وإن اختلفا فقد تعاسرا ؛ وقال ابن قدامة : ولأن إجبار الأم على الرضاع لا يخلو إما أن يكون لحق الولد أو لحق الزوج أو لهما لا يجوز أن يكون لحق الزوج ؛ لأنه لا يملك إجبارها على رضاع ولده من غيرها ولا على خدمة نفسه فيما يختص به . ولا يجوز أن يكون لحق الولد لأنه لو كان لحقه للزمها بعد الفرقة ولم يقله أحد ولأن الرضاع مما يلزم الوالد لولده فلزم الأب على الخصوص كالنفقة أو كما بعد الفرقة .
ولا يجوز أن يكون لهما لأن ما لا مناسبة فيه لا يثبت الحكم بانضمام بعضه إلى بعض ولأنه لو كان لهما لثبت الحكم به بعد الفرقة . وقوله تعالى ( والوالدات يرضعن أولادهن) محمول على حال الاتفاق وعدم التعاسر .
وقال المالكية يجب الرضاع على الأم بلا أجرة إن كانت ممن يرضع مثلها وكانت في عصمة الأب ولو حكما كالرجعية أما البائن من الأب والشريفة التي لا يرضع مثلها = فلا يجب عليها الرضاع إلا إذا تعينت الأم لذلك بأن لم يوجد غيرها .
واستدلوا بقوله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن } .
وقالوا : استثني التي لا يرضع مثلها من عموم الآية لأصل من أصول الفقه وهو : العمل بالمصلحة , ولأن العرف عدم تكليفها بالرضاع فهو كالشرط .
ثانيا:- الأحكام التي تترتب على الرضاع :
يترتب على الرضاع بعض أحكام النسب : -
أ - تحريم النكاح سواء حصل الرضاع في زمن إسلام المرأة أو كفرها لقوله صلى الله عليه وسلم { : يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب } .
ب - ثبوت المحرمية المفيدة لجواز النظر ؛ والخلوة ؛ وعدم نقض الطهارة باللمس عند من يرى ذلك من الفقهاء .
أما سائر أحكام النسب كالميراث ؛ والنفقة ؛ والعتق بالملك ؛ وسقوط القصاص ؛ وعدم القطع في سرقة المال ؛ وعدم الحبس لدين=
الولد والولاية على المال أو النفس فلا تثبت بالرضاع ؛ وهذا محل اتفاق بين الفقهاء .
(*)انظر المحلي بالآثار لابن حزم الظاهري ج 10 ص 165 مسألة رقم 2013 طبعة دار الكتب العلمية - بيروت قال أبو محمد ابن حزم الظاهري والواجب على كل والدة - حرة كانت أو أمة - في عصمة زوج أو في ملك سيد , أو كانت خلوا منهما - لحق ولدها بالذي تولد من مائه أو لم يلحق - : أن ترضع ولدها - أحبت أم كرهت , ولو أنها بنت الخليفة - وتجبر على ذلك إلا أن تكون مطلقة - .
فإن كانت مطلقة لم تجبر على إرضاع ولدها من الذي طلقها إلا أن تشاء هي ذلك , فلها ذلك - أحب أبوه أم كره , أحب الذي تزوجها بعده أم كره . فإن تعاسرت هي وأبو الرضيع : أمر الوالد بأن يسترضع لولده امرأة أخرى ولا بد إلا أن لا يقبل الولد غير ثديها , فتجبر حينئذ - أحبت أم كرهت , أحب زوجها إن كان لها أم كره -فإن مات أبو الرضيع , أو أفلس , أو غاب بحيث لا يقدر عليه : أجبرت الأم على إرضاعه , إلا أن لا يكون لها لبن , أو كان لها لبن يضر به : فإنه يسترضع له غيرها , ويتبع الأب بذلك إن كان حيا وله مال فإن لم تكن مطلقة لكن في عصمته أو منفسخة النكاح منه أو من عقد فاسد بجهل , فاتفق أبوه وهي على استرضاعه وقبل غير ثديها فذلك جائزفإن أراد أبوه ذلك فأبت هي إلا إرضاعه فلها ذلكفإذا أرادت هي أن تسترضع له غيرها وأبى الوالد : لم يكن لها ذلك , وأجبرت على إرضاعه - قبل غير ثديها أو لم يقبل غير ثديها - إلا أن يكون لها لبن , أو كان لبنها يضر به فعلى الوالد حينئذ أن يسترضع لولده غيرها فإن لم يقبل في كل ذلك إلا ثدي أمه : أجبرت على إرضاعه إن كان لها لبن لا يضر به .
فإن كان لا أب له : إما بفساد الوطء بزنى , أو إكراه , أو لعان , أو بحيث لا يلحق بالذي تولد من مائه , وإما قد مات أبوه : فالأم تجبر على إرضاعه , إلا أن لا يكون لها لبن , أو كان لها لبن يضر به , أو ماتت أمه , أو غابت حيث لا يقدر عليها : فيسترضع له غيرها , سواء في كل ذلك كان للرضيع مال أو لم يكنفإن كان له أب , أو أم , فأراد الأب فصاله دون رأي الأم , أو أرادت الأم فصاله دون رأي الأب : فليس ذلك لمن أراده منهما قبل تمام الحولين - كان في ذلك ضرر بالرضيع أو لم يكنفإن أرادا جميعا فصاله قبل الحولين , فإن كان في ذلك ضرر على الرضيع لمرض به , أو لضعف بنيته , أو لأنه لا يقبل الطعام : لم يجز ذلك لهما فإن كان لا ضرر على الرضيع في ذلك فلهما ذلكفإن أرادا التمادي على إرضاعه بعد الحولين فلهما ذلك , فإن أراد أحدهما - بعد الحولين - فصاله وأبى الآخر منهما , فإن كان في ذلك ضرر على الرضيع لم يجز فصاله , وكذلك لو اتفقا على فصاله وإن كان لا ضرر على الرضيع في فصاله بعد الحولين فأي الأبوين أراد فصاله - بعد تمام الحولين - فله ذلك , هذا حق الرضيع , والحق على الأب والأم في إرضاعه .
وأما الواجب للأم في ذلك - فإن كان الولد لا يلحق نسبه بالذي تولد من مائه , أو كان أبوه ميتا , أو غائبا حيث لا يقدر عليه , ولا وارث للرضيع : فالرضاع على الأم , ولا شيء لها على أحد من أجل إرضاعه .
فإن كان في عصمته بزواج صحيح , أو ملك يمين صحيح : فعلى الوالد نفقتهما , أو كسوتهما فقط , كما كان قبل ذلك ولا مزيد .
وإن كانت في غير عصمته - فإن كانت أم ولده فأعتقها , أو منفسخة النكاح بعد صحته بغير طلاق , لكن بما ذكرنا قبل أن النكاح ينفسخ به بعد صحته أو موطوءة بعقد فاسد بجهل يلحق فيه الولد بوالده , أو طلقها طلاقا رجعيا - وهو رضيع - فلها في كل ذلك على والده النفقة , والكسوة فقط , ولا مزيدفإن كان فقيرا كلفت إرضاعه ولا شيء لها على الأب الفقير , فإن غاب وله مال =
وامتنع أتبع بالنفقة والكسوة متى قدر على مال .
فإن كانت مطلقة ثلاثا وأتمت عدتها من الطلاق الرجعي بوضعه : فلها على أبيه الأجرة في إرضاعه فقط فإن رضيت هي أجرة مثلها فإن الأب يجبر على ذلك - أحب أم كره - ولا يلتفت إلى قوله : أنا واجد من يرضعه بأقل , أو بلا أجرةفإن لم ترض هي إلا بأكثر من أجرة مثلها وأبى الأب إلا أجرة مثلها فهذا هو التعاسر , وللأب حينئذ أن يسترضع غيرها لولده إلا أن لا يقبل غير ثديها , أو لا يجد الأب إلا من لبنها مضر بالرضيع , أو كان الأب لا مال له : فتجبر الأم حينئذ على إرضاعه , وتجبر هي والوالد على أجرة مثلها - إن كان له مال - وإلا فلا شيء عليه .وكل ما ذكرنا أنه يجب على الوالد - في الرضاع - من أجرة , أو رزق أو كسوة فهو واجب عليه - كان للرضيع مال أو لم يكن , كانت صغيرة زوجها أبوها أو لم تكن - بخلاف النفقة على الفطيمة أو الفطيم .
فإن مات الأب فكل ما ذكرنا أنه يجب على الوالد : من كسوة , أو نفقة , أو أجرة , وللرضيع وارث فهو على وارث الرضيع - على عددهم لا على مقادير مواريثهم منه , والأم من جملتهم : والزوج إن كان زوجها أبوها من جملتهم , سواء كان للرضيع مال أو لم يكن , بخلاف كسوته , ونفقته إذا أكل الطعام , فإن لم يكن له وارث فرضاعه على الأم وارثة كانت أو غير وارثة ولا شيء لها من أجل ذلك من مال الرضيع , بخلاف وجوب نفقتها في ماله - إن كان له مال , ولا مال لها
فإن كانت مملوكة وولدها عبدا لسيدها , أو لغير سيدها : فرضاعه على الأم , بخلاف كسوته , ونفقته - إذا استغنى عن الرضاع .
فإن كانت مملوكة وولدها حر - فإن كان له أب , أو وارث , فالنفقة , والكسوة , أو الأجرة على الأب , أو على الوارث كما قدمنا فإن لم يكن له أب ولا وارث فرضاعه على أمه فإن ماتت , أو مرضت , أو أضر به لبنها , أو كانت لا لبن لها , ولا مال لها : فعلى بيت مال المسلمين - فإن منع : فعلى الجيران يجبرهم الحاكم على ذلك .
وللبحث بقيه ولكن حتي لا يكون هنالك ممل وهو بحث من 50 صفحة