اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
التاريخ
6/10/2013 7:20:12 AM
  ازدراء الأديان       

مقدمة

 

 السلطة فى الدول غير الديمقراطية غالبا ما تتخذ الدين ستارا تختفى وراءه وتستخدمه لبسط  نفوذها وسلطانها على المحكومين واعطاء الحاكم هالة ومكانة وقدسية  بوصفه حاميا للدين ومدافعا عنه بل احيانا تختزل السلطتين الدينية والسياسية في شخص الحاكم فيكون حاكما باسم الإله وتكون اهانة الحاكم او الاعتداء عليه جريمة دينية غالبا ما تكون عقوبتها القتل والتشريد .

فاستخدام الدين ورقة رابحة فى ظل امية ثقافية تعتمد على النقل ونافية للعقل وضد التفكير فدائما هناك من يفكرون بديلا عنا  وقد اغلق باب الاجتهاد ولم يعد الا تراث الاقدمين دون مراجعة او تنقية يقدسونه رغم انه اجتهاد بشرى قد يصيب وقد يخطأ  وهم مع التكفير كسلاح يهددون به   معارضيهم ؟

وحماية الأديان من الاعتداء عليها وتدنيس قدسيتها او التطاول عليها والسخرية من رموزها كل هذا كان شاغلا كبيرا يؤرق السلطة ويزعجها وتحتال به على الجماهير فكل ما هو بأسم الدين جدير بالجماية و لا نقاش فيه ولا جدال .

و في الآونة الأخيرة ومع تصاعد التيارات الإسلامية على الساحة السياسية أصبحت جرائم التعدي على الأديان سيفا مسلطا على الرقاب وقيدا على حرية التعبير وحرية الاعتقاد  فأثرنا  أن نتوقف كثيرا أمام جرائم التعدي على الأديان  رغم قدم تاريخها الذي يعود إلى عام 1883 أخذا عن القانون الفرنسى فى العديد من المواد العقابية  ثم أضيفت إلى تلك الجرائم جريمة جديدة هي الأكثر شهرة وذيوعا وتشددا ومغالاة في عقوبتها  وهى جريمة ازدراء الأديان والتي ظهرت في قانون العقوبات المصري عام 1982  .[1] بعد اغتيال السادات فيما سمى قانون مكافحة الإرهاب

 فلما زاد استخدامها  في الفترة الأخيرة وخاصة فى مواجهة المعارضين والكتاب والمفكرين والباحثين والفنانين والشعراء والاخوة المسيحيين  فبان ان  ازدراء الاديان قاصرا على الدين الاسلامى هكذا الواقع يصور لنا ذلك  فاستلزم أن نتناولها بالبحث في تاريخها وعلة التجريم فيها.

ليس فقط لأن النصوص القانونية لتلك الجرائم توصم  بعيوب كثيرة في الصياغة كالغموض والتجهيل  والتعميم وعدم التحديد وعدم الانضباط ، فغالبا ما يصعب على الكثيرين  حتى المتخصصين في القانون  الوقوف على معاني تلك المصطلحات وفك غموض وطلاسم النص القانوني الذي تتعدد مفرداته  كاستغلال الدين و الأفكار المتطرفة وإثارة الفتنة والتحقير وازدراء الدين ، والتشويش على إقامة الشعائر الدينية ، وتدنيس مباني معدة لإقامة الشعائر الدينية ، وانتهاك حرمة المقابر ، وتقليد احتفال ديني بقصد السخرية او ليتفرج عليه الجمهور ، وحرمة الآداب العامة ،وحسن الأخلاق , والسلم العام ،والنظام العام ، والوحدة الوطنية .. الخ

فهناك من يتساهل كثيرا في تحميل تلك النصوص أكثر مما تحتمل فيتسع النص التجريمى ليشمل ما لا ينص عليه وما لم يذهب إليه المشرع ذاته وقد يكون ذلك راجعا لمراعاة تقاليد المجتمع وعاداته ومشاعره وجمود التفسيرات التى تتناول تلك المفردات والنصوص بالشرح والتعليق .

 وقد لاحظنا كثيرا في الواقع العملي التشدد في تناول تلك القضايا والتعامل معها من الجهات المسئولة  بدأ من مأموري الضبط القضائي مرورا بالمحقق الجنائي (وكيل النيابة او قاضى التحقيق ) انتهاء بقاضي الموضوع .

فالأمر مرده في النهاية إلى سلطة تقديرية لقاضى الموضوع لا سلطان عليها او تعقيب .

والملاحظة الجديرة بالاهتمام والتي عايشتها كمحام تولى الدفاع في العديد من تلك القضايا هو التشدد في التعامل مع المتهمين بها مما يتعارض مع ابسط قواعد المحاكمة العادلة والمنصفة وأيضا ابسط ضمانات المتهم وحق الدفاع

وغالبا ما تنتهي الأحكام بمناشدة المشرع بتشديد العقوبة على المتهمين بتلك الجرائم  ، في الوقت الذي يتم فيه  الاعتداء على ابسط حقوقه بل والعصف بكل الضمانات التى ينص عليها الدستور وقانون الإجراءات الجنائية وتجاهل القاعدة التى تقرر أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته

بالإضافة إلى نظرة المجتمع سواء كان للمتهمين فيها او  لمن يتولى الدفاع في مثل تلك  القضايا والخلط المتعمد بين أفكار المتهم والمدافع عنه   .

وجرائم التعدي على الأديان هي في حقيقتها  قيدا على حرية الاعتقاد وخاصة عندما  يتعلق  الامر بتناول أفكار او أبحاث او تفاسير تتعلق بحرية الاعتقاد  كمناقشة مسائل لها علاقة بالأديان .

ولدينا العديد من الأمثلة الضاربة في عمق التاريخ للكثير من المفكرين والكتاب الذين عانوا كثيرا من الملاحقة والتنكيل بهم واتهامهم بأن ما يكتبونه او يتناولونه من أفكار هو خروج عن الدين ويشكل تعديا عليه وامتهانا له بدأ من الدكتور طه حسين عندما قدم أطروحته في كتابة ( في الشعر الجاهلي )   والشيخ على عبد الرازق في كتابه ( الإسلام وأصول الحكم )  مرورا بمنصور فهمي في بحثه المتميز عن ( أحوال المرأة في الإسلام ) .والكاتب الكبير خالد محمد خالد وكتابه ( من هنا نبدأ ) ومحمود الشرقاوي في كتابة ( الدين والضمير ) والدكتور لويس عوض عن كتابه مقدمة فى فقه اللغة العربية والكاتب علاء حامد عن رواية مسافة فى عقل رجل ود نصر حامد ابو زيد عن مجمل كتبه ودراساته الامر الذى وصل الى الحكم بالتفريق بينه وبين زوجته والمدون كريم عامر الذى قضى حكما مشددا والكاتبة الدكتورة نوال السعداوى عن بعض كتبهاوحواراتها مع الصحافة وعن رواية الاله يقدم استقالته فى اجتماع القمة  ونجحت فى صد دعوى تفريقها من زوجها ومن دعوى اسقاط جنسيتها  والشاعر حلمى سالم عن قصيدته شرفة ليلى مراد والشاعر احمد عبد المعطى حجازى ومحاولة مصادرة مجلة ابداع والشاعر احمد الشهاوى ومصادرة ديوان الوصايا فى عشق النساء والفنانة ليلى علوى وفيلم باحب السيما والفنان عادل امام عن مجمل اعماله الفنية  وآخرين كانت اعمالهم الفكرية والفنية مجالا للتشكيك فى مدى ايمانهم واتهامهم بالتعدى على الاديان ثم اخيرا بيشوى كميل كامل ونجيب ساويرس وابراهيم عيسى  والبير صابر ومعلمة الاقصر دميانة عبيد عبد النور وآخرين فى طابور طويل لا ينتهى .

ورغم أن حرية الاعتقاد حق توالت الدساتير  المصرية على النص عليه من دستور 1923 حتى دستور 2012 و تواتر المواثيق والمعاهدات الدولية على النص على الحق في حرية الاعتقاد لكن  الواقع يضيق  في الممارسة الفعلية فأن اقر القضاء  حرية الاعتقاد إلا انه يعود  ليحصرها في الديانات السماوية الثلاثة المعترف بها ويضاف إلى ذلك أن  يضيق على حرية ممارسة الشعائر الدينية التى هي أساس حرية الاعتقاد  .

ورغم الجهود الكبيرة التى تقوم بها المنظمات والمؤسسات الحقوقية والمجتمع المدنى في التأكيد على الحق في حرية الاعتقاد إلا أن جهودها تضيع هباء في مواجهة نصوص عقابية ومفاهيم تتسم بالجمود والتردي  ورأى عام يضيق بفهم المعنى الحقيقي لحرية الاعتقاد .

ولم تقتصر القيود على الحق في حرية الاعتقاد وإفراغه من مضمونه الحقيقي على نصوص قانون العقوبات او القضاء الجنائي بنصوص جرائم التعدي على الأديان وأحكام في الغالب متعددة ومتشددة .

 لكننا  سنلاحظ تعدد تلك القيود ما بين قيود دستورية فاتجاهات المحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة في إحكامهما في التعامل  تتراوح بين الالتزام بالحق في حرية الاعتقاد والتضييق على ممارسة الشعائر وقصر هذا الحق على الأديان السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلامية.

 فحرية الاعتقاد  تسمح للمواطن المسيحي أن يغير دينه إلى الإسلام لكن ليس للمسلم تغيير دينه إلى اى دين آخر بل فى هذه الحالة يعد مرتدا خارجا عن الإسلام وسيتعرض غالبا لمخاطر شتى اقلها التكفير وتنتهي به إلى التفريق بينه وبين زوجه او الاغتيال .

وكما ذكرنا لم يفلت أحدا من ذلك الاتهام  ( ازدراء الأديان- او التعدي على الأديان  )  كاتبا او باحثا او فنانا فطالت تلك الاتهامات الجميع حتى الأطفال .

وعلى مدار تاريخنا الحديث كان واضحا موقف السلطة الحاكمة من تلك القضايا سواء كان ذلك  في ظل الملكية والنظام الجمهوري وكانت الأحزاب الحاكمة في التعامل مع تلك الاتهامات مؤسفا للغاية وأيضا موقف المؤسسة  الدينية الذي دائما ما يكون  متشددا للغاية بحجة حماية حرمة الآداب العامة وحسن الأخلاق  .

وازدادت في الفترة الأخيرة ظاهرة الاتهام بازدراء الأديان  في ظل صعود التيار الاسلامى إلى سدة الحكم وانتشار ظاهرة الأحزاب التى تقوم على خلفية دينية .

وتربص المتشددون والمحتسبون الجدد لكل من يختلف معهم في فهم الدين وتمسكهم  دائما برؤياهم وتأويلاتهم الضيقة  وخلطهم  ما بين الفكر الديني الذى هو نتاج بشرى و بين  الدين  الذى هو من عند الله .

 وبالرغم أن الدين الاسلامى يدعو إلى التفكير والعديد من الآيات القرآنية تحض على التفكير باعتباره فريضة إسلامية فنذكر من تلك الايات :

 {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }آل عمران 190

{وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الجاثية13

وأيضا العديد من الآيات القرآنية التى تتناول حرية الاعتقاد

{{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً }الكهف29

{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة256

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سبيلاً }النساء137

وبالرغم أيضا أن الأديان لا تحمى الأفكار لكن تبقى تلك الاتهامات سيفا مسلطا ويساء استخدامه ضد كل الذين يسعون إلى تجديد الفكر الديني والتخلص من شوائب تعلقت بالتفاسير الذي هو اجتهاد بشرى لا قدسية له  .

والملاحظ في قضايا التعدي على الأديان  تغليظ العقوبات وتعددها الأمر الذي هو في حقيقته يشكل خطورة بالغة وسلاح قاسى إذا ما اسىء استخدامه من قبل المتشددين الذين يشكلون ضغوطا على المجتمع  في ظرف تغيب فيه مؤسسات الدولة وتزداد فيه الأصوات التى تنادى بتطبيق شرع الله وفقا لمفهومهم وتفسيراتهم المتشددة  تمهيدا لإقامة دولة دينية فاشية  .

وجاءت التعديلات الدستورية الأخيرة تنذر بشرور عديدة ومخاوف كبيرة تطال الجميع ليس فقط أصحاب الديانات الأخرى بل والمسلمين المستنيرين الذين ينادون بتجديد الفكر الديني

فكانت تلك المحاولة لشرح تلك الجرائم متمنيا أن أكون قد استطعت أن أعلنها صرخة في مواجهة نصوص عقابية قديمة يجب الخلاص منها.

مقدمة كتاب ازدراء الأديان لحمدى الاسيوطى تحت الطبع اهداء لاعضاء المنتدى مجانا

[1] -( القانون رقم 29 لسنه  1982

 


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 3647 / عدد الاعضاء 63