اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
ashraf
التاريخ
5/26/2002 3:45:00 AM
  حول عدم دستورية جريمة الشيك بدون رصيد في التشريع المصري       

شكر وتقدير للأستاذ صابر عمار
المحامى بالنقض والأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب
الذي يثير فينا حمية التعلم بأسلوب يميل إلى اللين ، فالرفق لا يكون في شيء إلا زانـه

الأخــوة الأعزاء بالمنتدى
لقد أطلعت على طعن بعدم دستورية جريمة الشيك بدون رصيد والمنشور في موقع محامون ( المنتدى العام ) .
وكنت قد شاركت برأي حول الموضوع ، وهو لا يعدو أن يكون اجتهاد لا يقلل أو يزيد من جهد أستاذنا الكبير / صابر عمار في تأسيس هذا الطعن ، والذي وجه بعد إطلاعه على مداخلتي بضرورة إعادة قراءتي للطعن مرة ثانية .
فبالفعل قمت بقراءته أكثر من مرة ، وعندما عزمت على التعقيب وجدت أن الموضوع أصبح في أرشيف المنتدى ، فكان هذا دعياً إلى أن أتوسع في دراسة الموضوع ، ولكن ضيق الوقت وظروف العمل لم تسمح لي بالرد في وقت مبكر عن ذلك .
وعلى كل لا يسعني إلا أن أشكر أستاذنا / صابر عمار على سعة صدره وعظيم إرشاده ، وكذلك الزملاء الذين قاموا بالتعقيب على ردي ، وأن أقدم لكم وللزملاء الذين عقبوا على رأئي ما توصلت إليه بعد دراسة الموضوع وبعد الإطلاع بناءاً على النصح والإرشاد ، راجياً أن يكون ما توصلت إليه محل اهتمام :-
وحيث أن الطعن أسس على مبدأ أو قاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون :-
فإنه يجب فهم مضمون هذا المبدأ لمعرفة ما يرتبه من آثار قانونية ، وهو ما دعاني إلى إعادة الإطلاع عن كثب لمحاولة الوقوف على معناها ، وعليه فقد توصلت إلى التالي :-
- أن هذه القاعدة لم تكن معروفة في العصور القديمة حيث كانت العقوبات تحكمية ، وكان في وسع القضاة أن يعاقبوا على أمور لا ينص عليها القانون ويطبقوا عليها ما يرونه ملائماً من العقوبات التي كان يختارونها من بين ما جرى به العرف أو قررته الأوامر .
- ظهور هذه القاعدة يرجع إلى الثورة الفرنسية التي عبرت عن آراء فلاسفة القرن الثامن عشر ، وقد وردت لأول مرة ضمن ما أعلنته الثورة من حقوق الإنسان ، ثم تم النص عليها بالمادة الرابعة من قانون العقوبات الفرنسي الصادر عام 1810م – ونقلت بعد ذلك إلى التشريع المصري الصادر سنة 1883م ، فقد تم النص عليها بمقتضى المادة 28 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية بنص يغاير النص الحالي وإن كان يؤدي إلى نفس المعنى حيث جاء النص كالتالي ( كافة الأحكام تصدر بمقتضى من نص القانون وبالتطبيق عليه …. الخ ) ، كما نص عليها في المادة 19 من قانون العقوبات الصادر سنة 1883م بالنص التالي ( يكون العقاب على الجنايات والجنح والمخالفات على حسب القانون المعمول به وقت إرتكابها ) وهذه المادة تطابق المادة 5 من قانون سنة 1904م مع فرق بسيط في التعبير ، ولما صدر القانون المصري عام 1923م نص عليها في المادة 6 منه بقوله ( لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذي ينص عليها ) .
- هناك اتجاه يرمي إلى إغفال هذه القاعدة بعض الشيء بتشجيع المشرع إما عن التخلي عن جزء من سلطته للقاضي في توقيع العقاب بتعيين غير دقيق لأركان الجرمية وتحديد الحد الأقصى للعقوبة دون الحد الأدنى ، فمثلاً في بعض التشريعات كالتشريع الألماني سنة 1935م خول القاضي إذا رفع إليه أمر يمس بالمجتمع الألماني دون أن يرد فيه نص جنائي خاص أن يعتبره جريمة ويوقع على مرتكبه عقوبة كما أن المشرع الإيطالي ترك للقاضي في بعض الأحوال سلطة تعديل تنفيذ العقوبة من حيث مدتها وأسلوبها ، وبدأ علماء القانون الجنائي يعيدون النظر في بحث هذا المبدأ توصلاً لمعرفة مبلغ حاجة المجتمع الحديث إليه وعجزه عن حماية مصالحه .

وحيث أن الخطاب في نص القاعدة ورد مطلقاً :
- فإن مقتضى هذه القاعدة حسب المعنى الظاهر منها بالنسبة للمشرع ( أن المشرع يجب عليه مراعاة قانونية الجرائم والعقوبات سواء في تعيين العناصر التي تَّكون كل جريمة أو في تعيين العقوبات التي تترتب )
- وأن مقتضى هذه القاعدة حسب المعنى الظاهر منها بالنسبة للقاضي ( أن القاضي لا يجوز له الحكم بالإدانة إلا إذا وجد في القانون سنداً على الجريمة والعقوبة ، فهو لا يملك أن ينشئ جريمة من أمر لم يرد نص قانوني بتحريمه مهما رأي فيه من خطر على حقوق الأفراد أو المجتمع ، ولا يملك المعاقبة على أمر فرضه القانون الجنائي دون أن يقرر عقاب على مخالفته .

بعد أن أوضحت النشأة التاريخية لعلها قد تفيد في الوقوف على إرادة المشرع ، وأوضحت مقتضى وغاية النص ، للوقوف على حقيقة النص والمراد منه ، وحيث أنه يجب تفسير النصوص القانونية مع تحري إرادة واضعي النص بشرط ألا يؤدي ذلك إلى تأويل النص– وجدت أن النشأة التاريخية تغلب وتؤكد صحة ما ذهب إليه أستاذنا / صابر عمار في الطعن بعدم الدستورية – وفي نفس الوقت وجدت أن قواعد التفسير توجب وضع إرادة واضع النص في الحسبان ، وهي أيضاً تتجه نحو تأكيد صحة رأي أستاذنا / صابر عمار في الطعن بعدم الدستورية حيث سبق وأوضحت أن الهدف من القاعدة كان الحفاظ على حقوق الإنسان … الخ .
ولكن ما جعلني أتوقف عن الإستمرار في التأكيد لرأي أستاذنا / صابر عمار وترجيح مداخلتي بعض الشيء هو ورود كلمة قانون في النص ( لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ) ، فكلمة قانون هذه جعلتني أبحث هل المقصود بها قانون مكتوب ضمن نصوص قانون العقوبات ، أو المقصود بها القانون بالمعنى الواسع لا شك أن المقصود بها القانون بالمعنى الواسع واعتقد أن هذا رأي له محل من الإعتبار ، فالكلام يحمل على إطلاقه ما لم يوجد ما يخصصه فمتي كان النص عاماً مطلقاً فلا محل لتخصيصه أو تقيده كما أشارت محكمة النقض ( طعن 676 لسنة 45 ق بتاريخ 16/6/1979م ، طعن 558 لسنة 48 ق بتاريخ 26/5/1979 م .
وعليه وبعد محاولة ثبر أغوار المبدأ أو القاعدة السابقة ، وجب الإنتقال إلى النص الجنائي نفسه الذي يجرم فعل إصدار الشيك بدون رصيد .
في البداية هناك حالة غموض في النص نشأت من جراء عدم تحديده لمعنى الشيك ( لأنه في الواقع قد يكون أداة وفاء وقد يكون أداة ائتمان ) – وفكرة الأستاذ / صابر عمار في طعنه أن عدم تحديد نص التجريم لمعني الشيك وهل العقاب عليه بكونه أداة وفاء أو أداة ائتمان يتنافى مع المبدأ أو القاعدة السابقة – لأن المشرع بذلك لم يحدد أركان الجريمة على نحو واضح .
حالة غموض النص لأنه لم يحدد معنى الشيك :-
- إذا كان النص غامضاً فيجب على القاضي الجنائي أن يبحث عن معناه الحقيقي الذي قصده الشارع وله أن يستعين في ذلك بكافة طرق التفسير المنطقية واللغوية وأن يرجع إلى الأعمال التحضيرية والمذكرات الإيضاحية للقانون وإلى النصوص السابقة التي أخذ منها وأن يقارن النص المراد تفسيره بالنصوص الأخرى المتصلة به ، ويرى بعض فقهاء القانون أن القاضي في سبيل الوصول إلى تحديد معنى القانون أن يوسع مدلول الألفاظ كما أنه له أن يضيقه ويحصره ، وأنواع التفسير ثلاثة : تفسير قضائي : هو بحث المحكمة عن معنى القانون في القضية المطروحة أمامها ومن أجل هذه القضية فقط وللمحكمة الحرية التامة في الأخذ بالتفسير الذي تراه صحيحاً دون أن تكون مقيدة بأحكامها السابقة – ولكن محكمة النقض تراقب صحة التفسير وتكفل توحيد المبادئ القانونية – التفسير الفقهي : هو الذي يتولاه الشراح والفقهاء في المسائل القانونية المختلفة وآراؤهم ليست ملزمة للقضاة إلا بقدر ما فيها من سلامة وصواب فهي لا تقيد القضاة وإن كانت تدعوهم لاتباعها في المسائل المماثلة أو المشابهة للتي تشير إليها والغرض منها تنبيه القضاة إلى الأخطاء الشائعة – والتفسير التشريعي : وهو الذي تجريه السلطة التشريعية وتصدر تفسير بقانون .
-وعليه يجب تفسير نص التجريم الخاص بالشيك بدون رصيد والوارد في قانون العقوبات وفقاً للضوابط السابقة .
- وللوقوف على حقيقة التفسير كما أتبعنا في النص السابق يجب البحث عن نشأة هذا النص .
- كان القانون الفرنسي ، وهو المصدر التاريخي للقانون المصري يعاقب على جريمة الشيك بدون رصيد باعتبارها نصب ، حتى صدور حكم محكمة النقض الفرنسية في عام 1912م بأن إعطاء شيك بدون رصيد للتوصل بذلك للحصول على مال للغير لا يمكن أن يعتبر من قبيل الطرق الأحتيالية ، فما تحرير شيك إلا كذب مسطور وما دام لم يعزز بشيء خارجي فما هو إلا كذب عـار لا يكفي لتكوين وسيلة نصب .
- في 2/8/1917م أصدر المشرع الفرنسي قانون يعاقب بمقتضاه على الشيك بدون رصيد ، أردف ذلك بقانون آخر في 12/8/1926م ، ثم بقانون ثالث في 30/10/1935م ، ثم كمله بالقانون الصادر في 24/5/1938م .
- قبل سنة 1938م وبالتحديد قبل القانون الأخير في القانون الفرنسي المشار إليه سابقاً حدثت عملية النقل من جانب المشرع المصري عن المشرع الفرنسي ( ولم يكن المشرع المصري وحده هو الذي قام بالنقل بل أيضاً البرتغالي في 12/1/1927م ، والبلجيكي في 25/3/1929م ، والبولوني في 14/11/1924 ، والإيطالي في 28/8/1933م – أما تشريعات إنجلترا وألمانيا وسويسرا فبقيت تعاقب عليه باعتباره نصب أو تدليس حسب القواعد العامة ) .
- إذن التجريم في مصر يؤرخ بين مرحلتين قبل عام 1937 ، وبعد عام 1937 .
- قبل عام 1937م اختلفت أحكام المحاكم ، فذهبت أحكام إلى العقاب على الشيك بدون رصيد باعتباره نصب ( حكم نقض في 18/11/1935م منشور في مجلة الحقوق السنة 21 ص 5 ، وتعليق آخر بمجلة المحاماة السنة 5 ص 82 ) ، وذهب أحكام أخرى تلي هذه الأحكام في الفترة الزمنية إلى عدم العقاب على إعطاء الشيك بدون رصيد باعتباره جريمة نصب وقالت : لا يكفي للعقاب على جريمة النصب مجرد تقديم الشيك الذي لا يقابله رصيد بل يجب أن يستعمل الجاني للوصول إلى قيمة الشيك طرقاً احتيالية حكم نقض 20/12/1937م – مجلة القانون والإقتصاد السنة 8 ملحق للعدد 5 ص 60 ) .
- بعد عام 1937 ودخول قانون تجريم الشيك بدون رصيد باعتباره جريمة مستقلة بذاتها بدأت تطبيقات المحاكم لهذا القانون ، فورد التجريم بالمادة 337 عقوبات وهي منقولة عن المادة 337 من القانون الفرنسي - نلاحظ من تشابه ترتيب المواد أن النقل كان مجرداً بدون أي حذف للمواد – جاء في النص الفرنسي الذي تم ترجمته للعربية بحالته دون تعديل ( يحكم بهذه العقوبات على كل من أعطى بسوء نية شيكاً لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب أو كان الرصيد أقل من قيمة الشيك أو سحب بعد إعطاء الشيك كل الرصيد أو بعضه بحيث يصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك أو أمر المسحوب عليه بعدم الدفع .
-وما يهمنا الآن هو بحث تاريخ الشيك باعتبار أن تأخير التاريخ هو ما يخرج الشيك عن كونه أداة وفاء ويجعله أداء ائتمان – والسؤال الآن : هل المشرع المصري عرف ظرف تأخير الشيك عند صياغته لنص التجريم وكان يدرك استخدام الأفراد للشيك بهذه الكيفية ، أم أنه جهل مثل هذا الظرف ، وبالتالي تكون نشأة هذا الظرف تالية لتقرير النص ويكون الواقع العملي واستخدام الأفراد للشيك أنشأ عرف كون الشيك أداة ائتمان ، ومن هنا جاءت مخالفة النص لمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون ، أم أن هذا العرف نشأ باطلاً لمخالفته للقانون ، وبالتالي يظل الشيك أداة وفاء ، أم أنه لاحاجة للعرف لأن المشرع مسبقاً عرف حالة استخدام الشيك كأداة ائتمان .
في الفقه القانوني :
ذهب رأي بأن الشيك الذي يؤخر تاريخ دفعه ليس بشيك بحكم القانون و لا يقع تحت طائلة العقاب .
وذهب رأي آخر وهو ما استقر عليه القضاء ، أن تأخير تاريخ الشيك لا يمنع من تداوله في التعامل والواجب حماية الثقة التي يفترضها الناس في التعامل بالشيك ، وأن الشيك ولو مؤخر التاريخ فهو يتم التعامل به ويمكن أن يكون قابل للتداول وتتناوله الأيدي أي أنه مازال يقوم بوظيفة النقود ، ولهذا يجب ألا يمنع تأخير التاريخ تداول الشيك حماية للثقة المفروضة في الشيكات ، وإلا أحجم الناس عن التعامل بها .
ولتكتمل الصورة يجدر بي أن أشير إلى أن تأخير الشيك جريمة في حد ذاته في القانون الفرنسي .
في التشريع :
ولنذهب إلى تأخير تاريخ الشيك وما دار بشأنه من مناقشات من قبل المشرع لعنا نستهدي بها .
ثارت المناقشات بمجلس النواب بخصوص تأخير تاريخ الشيك عند بحث القصد الجنائي في جريمة الشيك ، فالنص ( المادة 337) يقول صراحة كل من أعطى بسوء نية شيك لا يقابله رصيد … الخ .
تفسير النص يقول أن سوء النية أمر لازم ، فهل المقصود بسوء النية العلم بعدم وجود الرصيد ، أو نية عدم الدفع .
الأعمال التحضيرية للقانون تفصح عن ذلك : فقد كان النص خالي من عبارة سوء النية وكان مكانها عبارة (مع علمه) ، ولما عرض المشروع على مجلس النواب استبدلت عبارة (مع عمله ) بعبارة (بسوء النية) بناء على اقتراح أحد الأعضاء حيث قال توضيحاً لفكرته : لقد جرت العادة في الوقت الحاضر على التعامل بالشيكات فتكتب لآجال معينة على أن تدفع في مواعيد الإستحقاق ، وقد يحل الموعد ويتعذر صرف قيمة الشيك لعسر الساحب ، مع أنه كان حسن النية وقت تحرير الشيك – فهل من الإنصاف أن نوقع عليه عقوبة الحبس ؟
فقال وزير المالية تعقيباً أن هذه المادة مقتبسة من القانون الفرنسي ، والأصل الفرنسي لها يشترط سوء النية ، فمن الواجب الأخذ باقتراح العضو وتدرج في التشريع عبارة (بسوء نية ) بدلاً من عبارة (مع علمه ) ونترك تقدير سوء النية للقاضي .
اعترض أحد الأعضاء وقال : أنه لم يعرف بعد الفرق بين العلم وسوء النية .
رد عليه وزير المالية وقال له : من الجائز أن يحرر شخص شيك وهو يعلم أنه ليس له رصيد في البنك ولكنه ينتظر أن يكون له رصيد في موعد الدفع يفي بصرف قيمة الشيك ، فليس في هذا جريمة ولكن هناك إهمال ظاهر … ثم عقب على ذلك بقوله فلا نكن ملكيين أكثر من الملك فنصدر قانون أشد من القانون المقتبس منه فيحسن أن نترك الأمر لتقدير القاضي فإذا اتضح له سوء نية مصدر الشيك أصدر حكمه بالعقوبة .
بالتأمل في المناقشة نجد أن صورة تأخير التاريخ ( الائتمان ) لا تمنع من وقوع العقاب إذا ثبتت سوء نية الساحب في عدم الوفاء بقيمة الشيك .
وبالتالي يكون نص التجريم الخاص بالشيك يعاقب على الشيك بوصفه أداة وفاء ، أو إذا أؤخر تاريخه بوصفه أداة ائتمان – ويكون ركن القصد الجنائي والخاص بسوء النية هو المعول عليه للفصل في المسألة .
وبالتالي لا يوجد تعارض بين نص التجريم وبين قاعدة أو مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون فسواء صدر الشيك حال التاريخ أو مؤجل التاريخ فهو معاقب عليه ، وعلى القاضي الإجتهاد في تقدير سوء نية ‘مصدر الشيك .
ولكن حقيقة تطبيق القضاء المصري لهذا النص استقرت على أن المراد بسوء النية مجرد العلم لا أكثر ولا أقل وهو اجتهاد من قبل القضاء ربما يخالف المعنى الذي قصده المشرع من وراء التجريم – وبذلك يتضح نشأة هذه المشكلة في التشريع المصري إذ أنه حرص على الأخذ بظاهر نص التشريع الفرنسي في عبارة سوء النية ، في الوقت نفسه كان القضاء في فرنسا يفسر سوء النية بمجرد العلم ، وهو في رأي مما جعل القضاء في مصر يتشجع في الأخذ بما ذهب إليه القضاء الفرنسي لمجرد تشابه النص ، ليوفر على نفسه عناء البحث عن سوء النية التي أوكلها إليه المشرع المصري والتي اتضحت من المناقشات سالفة الذكر ، وآثَّـر القضاء أن يأخذ الطريق السهل لتقدير سوء النية وجعله مفترض بمجرد العلم .
والذي يتبادر لي بعد هذا العرض الموجز ، أن صورة تأخير التأخير في القانون المصري معاقب عليها أيضاً إذا ثبتت سوء نية الساحب ، وبالتالي فقد كان المشرع المصري يعلم مسبقاً بإمكانية تحويل الشيك لأداة ائتمان ومع ذلك جرم الفعل – وبالتالي يكون نص التجريم المصري غير مخالف لقاعدة أو مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون – وبالتالي قد لا يكون هناك مخالفة دستورية ، إنما اختلاف بين قضاة محكمة النقض في التفسير .
وعليه فإن الذي يتبادر للذهن أن القضاء المصري حذا حذو القضاء الفرنسي في التفسير ، وليته أخذ بما أرده المشرع المصري وقد وضحت لنا إرادته من خلال النقاش أن التجريم يرتبط بعنصر الثقة وبالقصد السيئ (نية عدم الدفع) ، وليت أعضاء مجلس النواب لو علموا منهج القضاء المصري في اتباع سلوك هذا التفسير لأبقوا على عبارة مع العلم التي وردت في مشروع القانون ولم يستبدلوها … ولكن هيهات أن يكون لهم ذلك لأن التطبيق القضائي يلي التشريع .
إذن ربما في يجب بعد هذا العرض الموجز أن تراعي محكمة النقض في تفسيرها للنص ما أشرت إليه ، وهو أن تحاول البحث على سوء نية مصدر الشيك ، ولا تكتفي بقرينة مجرد العلم - ولا تحاول أن تتجه بتفسيرها ، إلى تقليد القضاء الفرنسي في التفسير - لأنه كما ذكرت تأخير التاريخ نفسه جريمة مستقلة معاقب عليها بالقانون الفرنسي ، ولا تحاول أن تجعل من الشيك بموجب تفسيرها أداة وفاء وتبعد عنه كونه أداة ائتمان ، لأن كون الشيك أداة وفاء أو أداة ائتمان ليس مبعث التجريم ، بل أن مبعث التجريم الثقة المفترضة في الشيك ، ومن ثم إعطاءه الشيك بنية عدم الدفع .
فالشيك المتأخر التاريخ لا زال به عنصر الثقة ، فالمستفيد لا زال ينتظر حلول أجل الشيك مستأمناً الساحب واضعاً ثقته فيه ، في أن يجد للشيك رصيد عند موعد الاستحقاق ، ومازال المستفيد يمكنه أن يطرح مثل هذا الشيك ( المتأخر التاريخ ) في التعامل ويظهره ، وبالتالي يتداول بين الأيدي ، ومن هنا كان الحفاظ على عنصر الثقة .
والأفضل في رأي الإبقاء على نص الشيك هكذا ، لأنه لو تدخل المشرع وجعل الشيك أداة وفاء حتى يستقيم الأمر بناءاً على ما جاء بالطعن بعدم الدستورية ، وبناء على ما ينادي به بعض شراح القانون ، فسيكون من الواجب العقاب على جريمة إصدار الشيك بدون رصيد ولو كان سببه أمر غير مشروع ، كما لو كان مقابل دين قمار ، أو تجارة مخدرات …. الخ – لأن كونه أداة وفاء يجعل التجريم أمراً لازماً وهو ما يعني تصحيح دين القمار و تجارة المخدرات . إضافة إلى أن الشيك ليس بورقة نقدية حتى يمكن القول بأنه أداة وفاء ، وإنما لا يخرج عن كونه وثيقة تقضي بإحالة الدين من ذمة ساحبه إلى ذمة المسحوب عليه مع بقاء مسؤولية ساحبه حتى سداده ، ولهذا ورد في قانون التجارة القديم لفظ ( أوراق الحولات ) لأنه يقترب منها ويتمتع بنفس خصائصها (والتجريم على الإخلال بثقة هذه الوثيقة ) ، كما أن هناك فروق في الواقع العملي تحتم عدم اعتبار الشيك أداة وفاء وإنما يمكن اعتباره وثيقة لنقل النقود كما ذكرت هذه الوثيقة قد تكون حاله التاريخ وقد تكون متأخرة التاريخ هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى لن يكون للمشرع بديلاً إذا لم يعتبر الشيك أداة وفاء إلا أن يعتبره أداة ائتمان لأنه أي الشيك لا يخرج عن الحالتين ، وإذا جعله المشرع عندما يتدخل بالتعديل أداة ائتمان فسيناقد المشرع نفسه .
إذن كون الشيك أداة وفاء أو أداة ائتمان مسألة لا تهم المشرع الجنائي حسبما أتضح لي ، وإنما ما يهمه هو الإخلال بالثقة المفروضة بهذا الشيك أياً كان الأمر . هذه الثقة هي الجديرة بالحماية عندما يرى القاضي أن مصدر الشيك أراد الإخلال بهذه الثقة وانتوى عدم دفع قيمة الشيك عند تحريره .
علماً بأن قانون التجارة الموحد ( قانون جنيف ) لم يتضمن تعريفاً للشيك ، وإنما تكلم فقط عن البيانات الواجب أن تذكر فيه .
هذا ما تيسر لي التعقيب به ولو كان متأخراً بعض الشيء فأرجو المعذرة .
وفق الله الجميع ،،،، .


  مدحت     عدد المشاركات   >>  1              التاريخ   >>  1/6/2002



الاستاذ اشرف خليل
بدون شك بحث قيم وجهد بحث يشهد للباحث
شكراً على هذا الجهد واعتز دوما بالقراءة لكم

 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 4331 / عدد الاعضاء 62