الزواج عقد مقدس له أركان وشروط فرضها التشريع الإلهي وأقرها القانون وأخرى تدخل بها العرف وما أكثرها حتى طغى العرف على القانون أو حتى التشريع بحيث درجت فظن البعض أنها القاعدة وليست الاستثناء ومن هذه العادات الكثيرة التي تدخل بها العرف الاجتماعي المهر الذي اعتبره قانون الأحوال الشخصية السوري أثراً من آثار عقد الزواج يستحق بمجر العقد الصحيح كما ورد في المادة 35 من القانون
( يجب للزوجة المهر بمجرد العقد الصحيح سواء أسمي عند العقد أم لم يسم أم نفي أصلاً )
ولم يعتبره ركناً أو شرطاً لعقد الزواج بل أثر يقر به الجميع ولا يمكن لأحد أن ينكره بصرف النظر عن مقداره قل أو كثر .
هذا المهر كان في صدر الإسلام وما بعد والمقرر شرعاً أنه دفعة واحدة يدفع للمرأة ويحق لها الامتناع عن الانتقال لدار الزوجية ما لم تستوف مهرها ومع تدخل العرف والعادات تدريجياً أصبح مقسم لمعجل ومؤجل وقد كان المهر دائماً المحور الرئيس في قضايا الأحوال الشخصية في مدى حرمان المرأة من جزء منه أو كله حسب مساجلات يتفنن فيها الطرفان بإظهار مظلوميتهم فشجون الأسر وشجون الرجل والمرأة ومن الظالم ومن المظلوم في الخلاف هي قضايا أكثر من أن تحصى ولكل حالة خصوصيتها في من المتسبب ومن المعتدي ومن المعتدى عليه لذلك وحيث أن المجال لا يتسع بمشاركة كهذه للإلمام بكافة هذه الشجون والاحتمالات فسوف أتعرض لواحدة فقط من قضايا الطلاق المتعددة ومدى أحقية المرأة في المهر سواء المعجل غير المقبوض أو المؤجل وهي
حالة قيام الرجل بتطليقها بإرادة منفردة نتيجة ارتكابها لفاحشة مبينة أقرت واعترفت بها إضافة لوجود حكم قضائي قطعي .
إذن نحن أمام حالة ارتكبت فيها الزوجة جرم الزنا وأقرت على نفسها ثم حوكمت قضائياً وصدر حكم بذلك فقام الزوج كردة فعل متوقعة بطلاقها بعد ذلك أتت الزوجة بدعوى تطالب فيها بالمهر كاملاً معجله ومؤجله بحجة أن الزوج طلقها بإرادة منفردة فدفع الزوج بتوضيح سبب الطلاق للمحكمة بل وأبرز حكم جزائي ضد الزوجة يثبت جرم التزاني وهنا تمسكت المحكمة بأحقية المهر للمرأة وأنه أثر من آثار عقد الزواج ووافقتها بذلك محكمة النقض وألزمت الزوج بالمهر .
في المناقشة :
نرى في هذا المثال تناقض ما بعده تناقض في التشريع والتفسير والمخالفة للنص القرآني وذلك بالآتي :
نعت محكمة النقض على الزوج قيامه بالطلاق بإرادة منفردة رغم السبب الجوهري له بينما في الدعاوى التي يرفعها الزوج بالتفريق لعلة الشقاق بأن يطلب من القضاء الشرعي تطليق زوجته ربما لأسباب أقل أهمية بكثير كحجة عدم التفاهم وأن الزوجة مهملة برعاية المنزل أو غير مطيعة له فغالباً نرى أن المحكمة وبناء على تقرير المحكمين بأن الإساءة مشتركة من الزوجين تقوم بحرمان الزوجة من جزء من المهر وقد يصل لتمام المهر حسب درجة الإساءة حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 114 قانون الأحوال الشخصية السوري على :
1- يبذل الحكمان جهدهما في الإصلاح بين الزوجين فإذا عجزا عنه وكانت الإساءة أو أكثرها من الزوج قررا التفريق بطلقة بائنة
2- وإن كانت الإساءة أو أكثرها من الزوجة أو مشتركة بينهما قررا التفريق بين الزوجين على تمام المهر أو على قسم منه يتناسب ومدى الإساءة
فما بالنا بإساءة كهذه ؟ ورغم ذلك ينص على حق الزوجة بالمهر فقط لأن الزوج استخدم حقاً أعطاه إياه التشريع دون أن يمر برقابة القاضي وعندما عرض الأمر على القضاء وعرف السبب المقبول رغم ذلك لم يعف الزوج من المهر بحجة أنه حق مستحق للزوجة ؟؟
وجه التناقض :
إذا ناقشنا محكمة النقض بقولها هذا فلماذا تحرم الزوجة من جزء من المهر في دعاوى التفريق ولأسباب أقل أهمية من هذا السبب ؟؟ ولماذا رتبنا على الزوج حقوق لمجرد استخدام حق استخدمه في محله ولأسبابه ؟؟
وأين نحن من قوله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {19}
قال العلماء : الفاحشة المبينة هي الزنا ، هذا قول من أقوالهم ، المرأة إذا زنت قد تخسر كل مالها ، ويحق للزوج أن يكرهها على الطلاق بعد أن تفتدي نفسها منه بكل ما أعطاها ! لأنها خانت الأمانة ، بعضهم قال : الفاحشة النشوز ، أن تستعصي على زوجها ، فلا تطيعه ، فالزوجة التي نشزت ، أي التي خرجت عن طاعة زوجها ، هذه أيضاً لا تستحق مهرها ، والزوجة التي هي سيئة المعاملة ، لسانها سليط عليه لا تقيم له وزناً ، فتتطاول عليه ، ولا تعتني به ، تهمل واجباته ، هذا أيضاً من الفاحشة ، في بعض التفاسير هناك أقوال ثلاثة في الفاحشة ؛ نشوز الزوجة ، أو وقوعها في الفاحشة ، أو معاملتها السيئة ، فالفاحشة عند بعض المفسرين ، والقرطبي من كبار المفسرين الذين وجهوا الآيات توجيهاً فقهياً ، أن الفاحشة هي الزنى والنشوز ، وعدم طاعة الزوج ، وسوء المعاملة .
وحتى من باب المنطق العقلي البحث فهل يعقل أن تكافئ زوجة لم تصن حرمة هذا الرباط المقدس ولم تؤد حق هذا الرباط بأن نتمسك بآثاره لها ؟؟
فهل محكمة النقض دائماً على حق ؟؟؟