القيامة الواحدة

 

 

       يتفق المسلمون والمسيحيون علي أشياء كثيرة تتعلق بالعقيدة في الدنيا والآخرة .. فمسألة البعث والحياة والموت والحساب والعقاب من مسلمات الديانتين .. فيؤكد قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية علي مسألة الدنيا التي بعث الله إليها خلقه وشاء موتهم ولكن ليس موتاً مثل الحيوانات كما يدعي ذلك الملحدون ولكنه بعثاً إلي حياة أخري لها بداية وليس لها نهاية فالذين عملوا الخير في الخفاء ولم يشعر بهم أحد ينالون الجزاء من الله في عدالة تامة وينالون المكافأة التي لم تنال في الدنيا .. سيشعر الناس في القيامة أن أحكام الله غير أحكام البشر .. وأن الله تعالي سيكمل عدالته في السماء ويتمتع بهذا العدل من ولدوا بظروف معينة أو في بيئات بعينها لم تكفل لهم الخير والسعادة والتكافؤ الاجتماعي إلي هذا يتفق الإسلام تماما في مسألة الثواب والعقاب ولكل أجل كتاب .. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم .. وكل نفس ذائقة الموت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت .. الإسلام ودين المسيح يتفقان علي مسألة الحياة بسلام ويدعوان إليه وعنوانهما التسامح .. وفي مصر يعيش الأخوة تحت راية الوطن المفدى يدافعون عنه ويحملون لوائه .. فالحروب التي خاضتها مصر منذ الحرب العالمية الأولي مروراً بثورة 19 وحرب 48 وثورة يوليو وحرب 56 و 67 أيضاً نصر أكتوبر 1973 أختلط فيها شهداء الواجب من الديانتين وسالت الدماء في نهر واحد بعد دفاعهم عن قضية واحدة هي سلامة الوطن .. وفي ثورة 19 آخر ثورات مصر الحقيقية تعانق الصليب مع الهلال وخرج المصلون من المساجد والكنائس وعلت الأذان ودقت الأجراس بأن الوطن في حاجة ماسة لشهداء جدد يطرد بهم الاحتلال وتحرر مصر من العبودية فذهقت أرواح الآلاف فداءً للوطن .. ولم يستطع المحتلون إيقاع الدسيسة بين شطري الأمة وتحييد المسيحيين واللعب علي أوتار حماية الأقلية فاندفع المسيحي والمسلم في لحظة واحدة .. التتار عندما أرادوا اجتياح العالم الإسلامي رفعوا الصليب شعاراً لهم لاستمالة المسيحيين لهم ولكنهم تيقنوا لهذه الخديعة الكبرى وصدوهم في موقعة عين جالوت 658هـ ومعهم المسلمون ولم تحدث أي فتنة داخلية تؤجج روح الوطن .. وفي عام 1798 أغارت الحملة الفرنسية علي مصر حتى وصلت قلب الصعيد في العام التالي وبالتحديد في العاشر من أبريل وقف الغزاة علي أعتاب جبل بلد صغيرة بمحافظة سوهاج يقطنها مسيحيون .. وجاءهم المدد من السماء فها هو الجهنى القادم من الحجاز مسلحاً يضع يده في أيديهم ويوقعون أول هزيمة بالفرنسيين في موقعة أم أربعين التي استشهد فيها أربعين مسلم وقبطي دفاعاً عن بلدهم وعرضهم ودفنوا جميعاً في مقبرة واحدة مازالت مزاراً حتى يومنا هذا بجوار بئر الحاج يوسف .. أمسك الأقباط في الجهنيين وعاشوا في هذه البلدة الصغيرة حتى يومنا هذا يتقاسمون رغيف الخبز الواحد ويشربون من منهل واحد للمياه .. ويتزاورون في الأعياد والمناسبات جميعها .. إن ما يحدث من منازعات بسيطة ؛ مسألة طبيعية جداً .. ولا تحتاج إلي نافخي الكير وصائدي المياه العكرة .. ولا تستلزم صيحات أهل المهجر .. إنما هي طبائع بشرية منذ زمن قابيل وهابيل .. رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم دخل إلي الكنسية ولكنه صلي خارجها وتزوج من ماريه القبطية .. وعلي مر التاريخ في مصر بالذات لن تجد مدي التآلف والتآخي بهذه الصورة بين شطري الأمة .. وزير المالية المصري د. يوسف بطرس غالي يقول : أنه لا يفرق في الأعياد ؛ فيحتفل بعيد الميلاد والقيامة كما يحتفل بعيد الأضحى والفطر .. وينتبذ كلمة شطري الأمة إلي فصيل واحد .. لا فرق فيه بالديانة .. قداسة البابا في تضامنه مع المسلمين في العالم كله وفلسطين خاصة التي بها من الديانتين برفض زيارة بيت المقدس بالقدس الشريف حتى تزال غمة الصهاينة .. ياسر عرفات تزوج من مسيحية وأنجب منها وحيدته " زهو " الوطن العربي بإسلامه ومسيحيته لن تفلح دعاوى الغرب في أي تصدعات لجدارة المتماسك .. الإمام المراغي شيخ الأزهر في عهد الملك فاروق سعي لزواج صديقه فخري عبد النور من مسقط رأسيهما " المراغة " قائلا له : هي صعيدية تسعد لاستقبالنا لأننا بلديات .. وفي أيرلندا المتاخمة لإنجلترا أهدي المسيحيون حجرة كبيرة لإخوانهم المسلمين لأداء الصلوات المفروضة والنافلة في مساحة 7 × 7 م2 وهي بالقياس عالية الثمن والأهمية ومعها منحوهم المفتاح ليتجمعوا في الصلوات خاصة صلاة الجمعة التي منحوهم ساعة راحة بأجر من أجل العبادة .. إن حرية العقيدة مكفوله في كل بلدان العالم طبقاً للدستور والقانون والأديان السماوية جميعها من عند الله وأقربهم الإسلام للمسيحيين .. تجلت كل هذه الروائع وأنا أتابع قداس عيد القيامة المجيد بالكتدرائية المرقسية بالعباسية أكبر كنيسة بالشرق الأوسط بدعوة كريمة من قداسة البابا شنودة الثالث ؛ حيث وجدت المسلمين مع إخوانهم المسيحيين والبسمة تعلو شفاههم وتملأ وجوههم  عاشت مصر بخير وسلام ومحبة في ظل أخوة مقدسة بين المسلمين والمسيحيين في الوطن الواحد والنيل الواحد والتراب الواحد والسماء الواحدة ..

 

 

 

                                   بقلم

 

                               حمدي خليفة

 

                              نقيب المحامين

 

                       رئيس اتحاد المحامين العرب

 

                                            Hamdy_khalifa_2007@yahoo.com

 

                                                 www.Hamdykhalifa.com