1- من المتفق عليه في فقه القانون الدستوري أن الانتخابات الحرة النزيهة تعتبر مرآة للرأي العام وأن إصلاح نظام الإنتخابات هو الحجر الأساسي في بنيان خركة الاصلاح السياسي.
2- وإذا كان امرا مشرفا للقضاء المصري ان تعهد اليه الدولة التماسا لثقة الناس في نزاهته وعدالته وحيدته وتجرده باإشراف علي الانتخابات النيابية والإستفتاءات العامة، فإن هذا الإشراف قد غدا خلال الحقبة الاخيرة من تاريخنا السياسي اشرافا مزعوما وصوريا لأسباب متعددة لا يتسع المقام للإسهاب فيها وأضحي القضاء بذلك يتحمل أمام المجتمع اوزارا لا يد له فيها نتيجة السيطرة الكاملة من جانب السلطة التنفيذية علي العملية الانتخابية بكاملها، بينما يقتصر دور القضاء فيها علي رياسة اللجان الرئيسية والعامة في الدوائر الانتخابية ، ولا يتجاوز هذا الدور مجرد إجراء عملية الفرز وحصر النتائج علي حين أن عملية التصويت ذاتها وهي لب العملية الانتخابية وجوهرها تتم بعيدا عن إشرافهم او رقابتهم في اللجان الفرعية .
3- وإذا كان ضمان سلامة العملية الانتخابية في كافة مراحلها هو وضعها تحت إشراف السلطة القضائية ، ومنح هذه السلطة إختصاصات واسعة تمكنها من منع وايقاف اي تدخل في الانتخابات اي تدخل في الانتخابات ايا كان مصدر هذا التدخل.
4- وإذا كان من شأن الإشرف القضائي أن يؤدي في النهاية الي سلامة تكوين الهيئة التشريعية عن طريق تمثيلها الصحيح والمعبرة عن ارادة الناخبين، فإنه ينبغي ان نكون أمام خيارين لا ثالث لهما:
أولهما: أن توضع العملية الإنتخابية بكاملها ومن بدايتها حتي إعلان نتيجتها تحت الإشراف القضائي الكامل والرقابة الفعلية والفاعلة للسلطة القضائية ، بحيث تكون لهذه السلطة فيها الكلمة الأولي والأخيرة من خلال جعل اللجنة العامة للإنتخابات وكافة اللجان الرئيسية والفرعية ذات طابع قضائي بحت حتي وإن استلزم ذلك إجراءها علي مراحل متتالية.
وثانيهما: إعفاء السلطة القضائية من هذا الإشراف الصوري والمزعوم وانعدام كل صلة لها بالانتخابات إذا لم توضع العملية الانتخابية في كافة مراحلها ومن ألفها إلي يائها تحت إشراف ورقابة هذه السلطة حتي لا تتحمل أوزارها أمام المجتمع الذي يضع ثقته في عدالة رجالها وحيدتهم ونزاهتهم.
5- ويتصل بما تقدم إتصالا وثيقا وجوب إجراء التعديلات الدستورية والتشريعية اللازمة التي بموجبها يكون فحص الطعون الغنتخابية والفصل فيها موكولا الي القضاء وحده ودون غيره من خلال إعطاء صيغة الدعوي القضائية، فتعرض نتيجة التحقيقات التي تجريها محكمة النقض علي إحدي دوائرها للفصل في هذه الطعون بحكم ذي حجية، فالفصل في صحة العضوية مهمة قضائية بحتة تستدعي بحثا وتدقيقا لا يتفق وتكوين المجالس النيابية التي ينبغي ان تقصر جهودها ووقتها علي اختصاصها الأصيل في التشريع ورقابة السلطة التنفيذية وتقتضي حيادا لا ضمان له في ظل أغلبية حزبية وبالأخص غداة المعارك الانتخابية .
6- وجدير بالذكر ان المؤتمر الأول للعدالة الذي عقد بالقاهرة خلال الفترة من 20 الي 24 ابريل عام 1986 قد بادر بحسه القومي بضرورة تنظيم الإشراف القضائي علي عملية الانتخابات النيابية في كافة مراحلها ، بما يحقق رقابة جادة وفاعلة وأن يرأس القضاء كافة اللجان الانتخابية وإن استلزم الأمر إجراء الانتخابات علي مراحل كما أوصي المؤتمر ايضا بضرورة إسناد الفصل في الطعون الانتخابية الي القضاء.
7 – ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل أعلن القضاة مرة أخري بعد أن أريد لهذه التوصيان ان تظل حبرا علي ورق وبعدها دررجت السلطة التنفيذية وأجهزة الإعلام وأثناء التمهيد لإجراء انتخابات مجلس الشعب والشوري خلال الإعوام الاخيرة وأثناء اجرائها وبعد إعلان نتائجها علي ترديد ان الانتخابات تجري تحت إشراف القضاء من خلال الجمعية العمومية لقضاة مصر التي انعقدت بناديهم في 13 نوفمبر 1986 علي رفضهم لهذا الإشراف المزعوم مطالبين بضرورة اشراف القضاء علي الانتخابات إشرافا فعليا وحقيقيا وكاملا، بعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية والي ان يستجاب لهذا المطلب فإنهم يلحون في اعفائهم من ذلك الإشراف الصوري ، وأصدروا بيانا جاء فيه : " درجت السلطة التنفيذية وبعض أجهزة الإعلام بصدد الإنتخابات العامة وإعلان نتائجها علي ترديد انها تجري تحت اشراف القضاة تعزيزا للثقة في إجراءات العملية الإنتخابية نظرا لما تعرفه من إطمئنان الشعب الب حبدة ونزاهة قضاته، ورجال القضاء وإن كانوا يفخرون بهذا الإطمئنان ويحرصون علي أن تحظي الانتخابات العامة بهذه الثقة.. الا انهم يأسفون لأن إشرافهم عليها لا يعدو ان يكون إشرافا رمزيا بدون فاعلية ذلك لأن دورهم يقتصر علي رياسة اللجان الرئيسية واللجان العامة في الدوائر النتخابية ولا يتجاوز بهذه الصفة مجرد إجراء عملية الفرز وحصر النتائج ، أما التصويت فيتم بعيدا عن رقابتهم في اللجان الفرعية.
ومن ثم فإن رجال القضاء انطلاقا من رغبتهم الاكيدة في القيام بدورهم الوطني في الاشراف الفعلي علي الانتخابات العامة علي نحو يضمن لها الحيدة المرجوة يطلبون تعديل القوانين المنظمة للانتخابات بحيث توضع العملية الانتخابية جميعها بين أيدي القضاة فيتولون رئاسة اللجنة التي تجري الانتخابات وتقوم بالفرز وتعلن النتيجة من فرعية وعامة ورئيسية ، ولا يحول دون ذلك ما يقال من عدم كفاية رجال القضاء لتغطية هذه العملية ، اذ يمكن تفادي هذا الأمر بإجراء عملية الانتخابات علي مراحل في أيام متتالية أو بضغط عدد اللجان الفرعية وهي في الواقع أكثر من اللازم حاليا هذا فضلا عما يستتبعه الضمان القضائي من وجوب ان تكون الهيئة المشرفة علي الانتخابات هيئة قضائية بحتة بعيدة كل البعد عن السلطة التنفيذية وأن يكون الفصل في الطعون الإنتخابية موكولا الي المحاكم دون غيرها، سواء بالنسبة لكيفية رفعها او الحكم فيها او سقوطها بالتقادم، والي ان يستجاب لهذا المطلب فإن القضاة يلحون في اعفائهم من ذلك الاشراف الرمزي فأما ان توكل العملية الانتخابية اليهم كاملة وهو اهل لها وإما ان يعفوا نها برمتها وبنسبة نتائجها اليهم أيا كانت وتكلف الجمعية العمومية مجلس إدارة نادي القضاة بإبلاغ هذا البيان الي جميع الجهات المعنية"
8 – واستخلاصا مما تقدم وجماعا له فإننا نعود فنؤكد أن النظام الانتخابي هو عادة وليد النظام الدستوري السائد في عهده ويستمد روحه من اسسه وقواعده وهذا ما يمكن ادراكه بسهولة ويسر من استقرائنا تاريخ مصر الدستوري.
ونعود أيضا لنؤكد ان اصلا نظام الانتخابات هو الحجر الأساسي في بنيان حركة الاصلاح السياسي وقد وصفه العلامة الفرنسي " بالرتلمي" بأنه اصلاح الاصلاحات c"est la reforme des reforms كما ان المساوئ والمفاسد التي تسور جو الإنتخابات النيابية يمكن ان تقضي علي النظام البرلماني وتحفر له قبره.
9 – وقد آن الأوان بعد ان خطت الديمقراطية في مصر بواكير خطواتها بإجتيازها مرحلة التنظيم السياسي القائم علي الحزب الواحد الي مرحلة النظام الديمقراطي السياسي القائم علي تعدد الأحزاب وهو تصحيح محمود من وجهة نظر الديمقراطية السائدة في عالم اليوم لما ينطوي عليه من إثراء للعمل الوطني بإختلاف وجهات النظر الديمقراطية وتعدد وتباين الرؤي آن الأوان لتعديل نظام الانتخابات برمته من أجل خطو حثيث يتعطش شعبنا اليه لاستكمال مسيرة الديمقراطية التي لا مفر منها لأمة تنشد الاستقرار والتنمية ولبنيها الرفعة والتقدم.
10- وفي هذا العدد فإننا نتصور أن علي مجلس القضاء الأعلي ومن خلال لجنة يحشد لها الصفوة من المتخصصين ايضا أن يتدارس النظام الحالي للنتخابات في مصر برمته.
ونأمل لو شمل هذا التدارس نظرة تفصيلية لعضوية هيئة الناخبين وشروطها الشكلية والموضوعية والاساليب المختلفة للتصويت ، وكيفية سير عملية التصويت بما تتضمنها من ضرورة إحترام مبدأ حرية التصويت ومبدأ سرية التصويت ومبدأ سلامة التصويت ودور المرشحين في العملية الانتخابيةودور الادارة في تسيير العمليية الانتخابية ابتداء من اضطلاعها بالاشراف عليها تي فرز الأصوات واعلان النتائج.
ولابد لهذه النظرية التفصيلية ان تتعرض لمواطن الخلل والقصور في العملية الانتخابية واهمها تزييف ارادة الناخبين واقتراح الحلول لتفاديها من اجل حسدة ونزاهة هذه العملية بكاملها وبما يكفل التمثيل الصحيح والمعبر عن اردة الناخبين.
ونأمل من المجلس أيضا في هذا الصدد ان يخرج من هذه الدرسة الموثقة بإعداد مشروع قانون يعرضه علي الجهات المعنية من خلال القنوات الشرعية يتيح تعديل الفوانين المنظمة للعملية الانتخابية بحيث يجعل اشراف القضاء علي الانتخابات اشرافا فعليا وحقيقيا وفعالا وكاملا..
وعلي المجلس من خلال هذه الدراسة ان يتصدي بالرأي ايضا لمسألة الفصل في الطعون الانتخابية بإعتبارها مهمة قضائية بحتة لابد وأن يكون القضاء فيها مختصا بالقول الفصل فيها.
ولا يغيب عن البال اعترافنا سلفا بأننا من خلال هذا التصور نضيف اعباء ثقالا وجساما علي القضاء فوق اعبائه لكنا بنفس القدر يجب الا ننسي ان القضاء في كل امة هو عقلها وبصرها ولسانها لإقرار الحقيقة وتحقيق العدالة.
بحث للدكتور محمد كامل عبيد - كلية الحقوق جامعة القاهرة.
منشور بمجلة المحاماة عدد يناير ابريل 1995 - الجزء الأول.
خمسة عشر عاما علي نشر البحث - خمسة وعشرون عاما علي مطالبة الجمعية العمومية لنادي القضاة بالاشراف الكامل علي العملية الانتخابية - لم يتحرك أحد - واليوم المطالب هي هي والكلام هو الكلام !!!