السيد الأستاذ المستشار / نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس محكمة القضاء الإداري
تحية طيبة وبعد
مقدمه لسيادتكم / محمد احمد محمد – المحامي – والمقيم كفر صقر – شرقية - ومحله المختار مكتب الأساتذة / محمد ابراهيم محمد مصطفي ، محمد الحداد ، محمد عبد المنعم ، أحمد سويد ، وائل صلاح عبد الفتاح المحامون – الكائن بالقاهرة - عمارة الإيموبيليا.
ضد
السيد الأستاذ المستشار / رئيس المجلي الاعلي للقضاء - بصفته
الموضوع
علم الطالب من خلال وسائل الإعلام المختلفة بالقرار الصادر بالإجماع عن مجلس القضاء الأعلى الصادر بتاريخ 4 اكتوبر 2010، والذى تضمن عدم السماح بنقل أو بث أو تسجيل أو إذاعة وقائع المحاكمات بواسطة أية وسيلة من وسائل الإعلام أو قيامها بتصوير هذه الوقائع أو هيئات المحاكم أو الدفاع أو الشهود أو المتهمين أثناء إجراءات تلك المحاكمات.
وقد منعت المحاكم العادية بمختلف درجاتها تسجيل ما يدور بالجلسات نفاذا لقرار مجلس القضاء الأعلي منذ اليوم التالي لصدوره، وحيث أن هذا القرار قد وقع منعدما فإن الطالب يبادر بالطعن عليه للأسباب الآتية:
أولا : انحدار القرار الطعين الي درجة الإنعدام بسبب عيب غصب السلطة .
استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا علي انه :
"إذا كان العيب الذي يشوبالقرارينزلبه إلى حدغصب السلطةفإنهينحدر بالقرار إلى مجرد فعل مادي معدوم الأثر قانوناً لا تلحقه أي حصانة ولا يزيلعيبه فوات ميعاد الطعن فيه"
( الطعن  رقم 1365 السنة الثانية عشر- إدارية عليا  بتاريخ 29-11-1969، ص 2044(
وحيث ان الدستور والقانون قد كفلا علانية الجلسات وعينت احكام القانون صاحب الحق في الحد من علانية الجلسات وقصرها علي محكمة الموضوع ولم يطلق لغير قاضي الدعوي الحق في تقرير علانية الجلسة أو الحد من مظاهر هذه العلانية – فإن تصدي المدعي عليه بصفته لهذا الحق يعد تعديا علي اختصاصات محددة حجزها الدستور لجهة معينة " محكمة الموضوع" ومن ثم يعد قراره معيبا بعيب غصب السلطة وهو ما يهوي بالقرار الي درجة الإنعدام ليصبح عملا ماديا غير مشروع- مستوجبا للإلغاء.
ولا ينال من ذلك دفاعا قد يوليه المدعي عليه- أن مجلس القضاء الأعلي أن اختصاص المجلس بسائر شئون القضاة ليس مؤداه تدخل المجلس في صميم عمل القاضي بوصف أن الأخير هو الذي يهيمن على الدعوى بجميع عناصرها، ولا يقبل التدخل في صلاحياته كائن من كان، والانتقاص من سلطان القاضي على الدعوى الماثلة بين يديه، وقد خوله الدستور والقانون  الحق "منفردًا" في تقرير الانتقال من أصل العلنية إلى استثناء السرية، وجعل ذلك من إطلاقاته دون معقب عليه، بحسب ما جرى عليه نص المادة (169) من الدستور "... إلا إذا قررت "المحكمة" جعلها سرية ..." .. والمادة (268) من قانون الإجراءات الجنائية "يجب أن تكون الجلسة علنية، ويجوز "للمحكمة" مع ذلك مراعاة النظام العام، أو محافظة على الآداب، أن تأمر بسماع الدعوى كلها، أو بعضها في جلسة سرية، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها" .. ولم يتضمن أي من النصين سالفي الذكر ما يشير إلى إشراك مجلس القضاء الأعلى في حق مقرر للقاضي خالصًا له من دون الناس، كما وأنه ليس بخافٍ أن حق القاضي في تقرير مصير نظر الدعوى علنًا، أو نظرها كلها أو بعضها بجلسة سرية، مؤدى ذلك ولازمه اختصاص نفس القاضي بتقليص مظاهر العلنية إلى الحد الذي يراه مناسبًا كمنع الكاميرات، أو البث المباشر، أو منع التسجيل، ولئن كان جميع ما سبق من وسائل حظر ليس من شأنها الحيلولة دون علنية المحاكمة، إلا أنه يترتب عليها النزول بالعلنية إلى الحدود الدنيا، وحجب الرأي العام عن مراقبة سلوك أطراف المحاكمة، وهي رقابة محمودة في كثير من الأحيان، لما يترتب عليها من التزام المعني بالمراقبة بما رسمه القانون، ليدرأ عن نفسه ملامة الرأي العام.
فضلا عن غصب المدعي عليه للسلطة التشريعية بأن ضرب عرض الحائط بما قررته مواد الدستور بشأن مبدأ الفصل بين السلطات – فالاصل ان الدستور قد افرد لكل سلطة اختصاصات محددة وقد أولي للجهة التشريعية سلطة سن القوانين – علي ان تقوم السلطة القضائية بالفصل فيالنزاعات والخصومات في ضوء ما قررته السلطة التشريعية .
وحيث إن الدستور قد عهد إلى كل من السلطتين التشريعية والقضائية بمهام قصرها عليهما، فلا تتداخل الولايتان أو تتماسا ، ذلك أن الدستور فى المادة (86) منه قد ناط بالسلطة التشريعية سن القوانين وفقاً لأحكامه، بينما أسند وفقاً للمادة (165) إلى السلطة القضائية ولاية الفصل فى المنازعات والخصومات على النحو المبين فى الدستور.
 ( يراجع في هذا المعني حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 124 لسنة 25  قضائية – جلسة 14 يناير 2007 )
"وحيث إن اختصاص السلطة القضائية بالفصل في النزاعات والخصومات لا يخولها التدخل فى أعمال أسندها الدستور إلى السلطة التشريعية وقصرها عليها ، وإلا كان هذا افتئاتاً على عملها وإخلالها بمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية"
"يراجع في هذا المعني حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 13 لسنة 12 قضائية – جلسة 2 فبراير 1992"
وحيث ان المدعي عليه بصفته قد ادعي لنفسه حقا لم تقرره السلطة التشريعية – بأن أصدر قرار تضمن عدم السماح بنقل أو بث أو تسجيل أو إذاعة وقائع المحاكمات بواسطة أية وسيلة من وسائل الإعلام أو قيامها بتصوير هذه الوقائع أو هيئات المحاكم أو الدفاع أو الشهود أو المتهمين أثناء إجراءات تلك المحاكمات- علي خلاف أحكام القانون –  مما يوصم القرار بعيب غصب سلطة التشريع- بما يجعله مستوجبا للإلغاء.
ثانيا : مخالفة القرار الطعين للدستور والقانون وإهدار حق الدفاع.
قررت المادة 169 من الدستور ما نصه:
 "جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة جعلها سرية مراعاة للنظام العام أو الآداب، وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية"
كما جري نص المادة (268) من قانون الإجراءات الجنائية بأنه:
"يجب أن تكون الجلسة علنية، ويجوز للمحكمة مع ذلك مراعاة النظام العام، أو محافظة على الآداب، أن تأمر بسماع الدعوى كلها، أو بعضها في جلسة سرية، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها".
وقد استقر قضاء محكمة النقض التي يترأسها سيادة المدعي عليه بصفته – علي التأكيد علي مبدأ علانية الجلسات وإطلاقه وبيان الحكمة من تقريره ورتب جزاء بالغ الخطورة علي المساس بهذا الحق- فقررت ما يلي:
"لما كان الأصل الدستورى المقرر هو علانية جلسات المحاكمة التى يشهدها المواطنون بغير تمييز وذلك حتى يتاح للرأى العام متابعة ما يجرى فى القضايا التى تهمه واغفالها يؤدى إلى بطلان اجراءات المحاكمة ويبطل الحكم الذى يصدر تبعاً لذلك وكل ذلك ما لم تقرر المحكمة سرية بعض المحاكمات مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب أو أن يقرر القانون سرية المحاكمة لاعتبارات يقدرها"
 ( الطعن رقم 29653 لسنة 67ق - جلسة 1998/3/10 - س 49 - ص388)
كما جرت أحكام قانون المرافعات علي تأكيد ذات المعني فقررت المادة 101 ما نصه :
" تكون المرافعة علنية الا اذا رأت المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم اجراءها سرا محافظة على النظام العام أو مراعاة للآداب أو لحرمة الأسرة"
فقررت محكمة النقض في هذا الشأن ما يلي:
"  علانية الجلسات -  لما فيها من ضمان حقوق الدفاع المقدس لم يكتف المشرع بالنص عليها فى المادة النص فى المواد 101 ، 102 ، 1/171 من قانون المرافعات المشار إليها بل ضمنها دساتير الدولة المتعاقبة وأخرها المادة 169 من دستور جمهورية مصر العربية فى سنة 1971 لتكون بعيدة عن إمكان العبث بها ومن ثم فإنها تعد من الاجراءات المتعلقة بنظم التقاضى الآساسية المتصلة بالنظام العام التى يترتب عليها بطلآن الاحكام الصادرة بالمخالفة لآحكامها "
( الطعن رقم 7588 لسنة 63 ق جلسة 1997/11/20 س 48 ج 2 ص 1273)
ولا يخفي ان اكثر الأنظمة استبدادا وهي انظمة الاحتلال لم تجرؤ ان تفتئت علي هذا الحق – علانية الجلسات – فحين قررت قوات الاحتلال تشكيل محكمة خاصة لأهالي قرية دنشواي بتهمة القتل العمد – تقرر جعلها محاكمة علنية - وتقرر انعقادها في 24 يونية عام 1906 بمدينة شبين الكوم – ولم يحظر علي العوام ووسائل الإعلام حضوررها وتسجيل ما جري بها - حتي بقيت الألسنة تردد ما تناوله الدفاع في هذه الدعوي – وكذلك ما جاء علي لسان الهلباوي بك ممثل الإدعاء !
كذلك لم تجرؤ قوات الاحتلال الامريكي ان تفتئت علي حق الرأي العام في العلم- حين قررت محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين علانية – فبعد تطور وسائل البث والتسجيل -  تقرر إذاعة كافة جلسات المحاكمة مباشرة – ليعلم القاصي والداني ما دار بجلسات هذه المحاكمة – تقريرا لما وقعته هذه الدول من معاهدات واحتراما لما نصت عليه دساتيرها من حق الرأي العام في العلم ومتابعة القضايا التي تهمه.
ولعل ما اوردته محكمة النقض في شأن الجزاء المترتب علي إغفال العلانية حين قررت أن " اغفالها يؤدى إلى بطلان اجراءات المحاكمة ويبطل الحكم الذى يصدر تبعاً لذلك" كفيلا بذاته الي الغاء القرار الطعين.
ولما كانت الأحكام وفقا لما قرره الدستور الحالي تصدر وتنفذ بإسم الشعب – وقد تقرر ايضا ان الشعب مصدر السلطات – فإن حجب الشعب عن العلم بما يدور بجلسات او تقييد هذا الحق تقييدا مطلقا بما لا يتفق مع أحكام الدستور يعد مخالفة بالغة الخطورة لا يمكن تدارك آثارها- من جماع ما تقدم نقرر ان مبدأ علانية الجلسات - قد حفظ لقضائنا الشامخ تاريخا مضيئا وتراثا منيرا- كما أن هذا المبدأ يمثل تعزيزا  لثقة الرأي العام في القضاء يجب تشجيعه بدلا من تقييده.
وحيث ان الطاعن من أعضاء نقابة المحامين وممارس فعلي لمهنة المحاماة وهو ما تتوافر به الصفة والمصلحة في العلم بما يدور بقاعات المحاكمات- وقد يعن لهم في معظم الأحيان استخدام اجهزة التسجيل لاستذكار ما أبداه بمرافعاته امام المحكمة تجنبا لتكرار مرافعته – كذلك افتئات القرار الطعين علي حق الطاعن في العلم بما يدور بمحاكمات تهم الرأي العام – وتمس مصلحة المجتمع- وهو ما تتوافر به الصفة والمصلحة لدي الطاعن.
وحيث ان تنفيذ القرار المطعون عليه يرتب اثارا بالغة الخطورة لا يمكن تداركها – تتمثل في حجب الرأي عن حقه في العلم وعدم متابعة ما يجرى فى القضايا التى تهمه وحيث ان اغفال هذا الامر يؤدى إلى بطلان اجراءات المحاكمة – كما سلف البيان – ويمثل استمرار العمل بهذا القرار اعتداء علي حق الدفاع ويعد الانتقاص منه من دواعي بطلان اجراءات المحاكمة -  وهو ما يتوافر به ركن الاستعجال.
بنــاء عليــه
نلتمس من سيادتكم تحديد أقرب جلسة لنظر الطعن ليسمع المدعي عليه بصفته الحكم بما يلي:
أولا : وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار المدعي عليه فيما تضمنه من عدم السماح بنقل أو بث أو تسجيل أو إذاعة وقائع المحاكمات بواسطة أية وسيلة من وسائل الإعلام أو قيامها بتصوير هذه الوقائع أو هيئات المحاكم أو الدفاع أو الشهود أو المتهمين أثناء إجراءات تلك المحاكمات.
ثانيا: وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون عليه مع ما يترتب علي ذلك من آثار والزام المدعي عليه بصفته المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة.
مع حفظ كافة الحقوق الاخري