عدم دستورية المادة 119 عقوبات
توسع الشارع فى المادة 119 من قانون العقوبات فى تحديد مدلول المال العام فساوى بين ملكية الجهات السابقة لهذا المال وبين إشرافها عليه أو إدارتها إياه ، حتى ولو كان هذا المال فى حقيقته مالاً خاصاً. فلقد اكتفى النص سالف الذكر فى تحديد مدلول المال العام أن يكون المال يكون كله أو بعضه مملوكا لإحدى الجهات التى حددها أو خاضعا لإشرافها أو لإدارتها. وتطبيق هذا النص يعنى توافر صفة المال العام إذا تحقق هذا الإشراف أو الإدارة من شخص عام أو من نقابة أو اتحاد أو من جمعية اعتبرت ذات نفع عام أو من شركة أو جمعية تساهم فيها إحدى هذه الجهات السابقة ، كما تتوافر صفة المال العام إذا تحقق الإشراف أو الإدارة من جهة اعتبرت أموالها أموالاً عامة.
وفى تقديرنا أن النص بهذه الصورة يتصف بالغموض والاتساع الذى يجب أن تنأى عنه نصوص التجريم والعقاب. فلا يكفى أن ينص الشارع على تجريم فعل معين أو أن يضع ضابطاً معيناً ؛ وإنما يجب أن يكون هذا الفعل وذلك الضابط واضح العناصر على نحو يكفل التحديد الدقيق لماهيته ، أما النص العقابى الذى يشوب تحديده الإبهام والغموض فإنه يكون غير صالح للتجريم. كما أن مثل هذا الغموض من شأنه أن ينال من فكرة اليقين التى يقوم عليها القانون الجنائى ، والتى تضمن إحاطة المخاطبين بأحكامه بمضمون النصوص الجنائية.
ضابط الإشراف على النحو الذى نص الشارع عليه لا يتصف بالوضوح ولا التحديد ، كما أنه يتسم بمرونة مترامية ، ويمكن أن تتعدد أوجه تفسيره ، مما يعد فى تقديرنا مخالفاً للدستور. ومن ناحية أخرى فإنه إذا كان الدستور قد نص فى المادة 33 على أن "للملكية العامة حرمة" ؛ فإن التوسع المبالغ فيه فى تحديد مدلول المال العام يعد فى تقديرنا انحرافاً بسلطة التشريع ، ذلك أن التوسع فى مضمون المال العام يعنى الخروج عن المدلول الحقيقى للمال العام مما يشكل انحرافاً وتجاوزاً لسلطة التشريع. وقد أدى التوسع المبالغ فيه فى هذا النص إلى اعتبار جميع أموال البنوك أموالاً عامة فى تطبيق نصوص جرائم المساس بالمال العام ، لأن قانون البنوك رقم 88 لسنة 2003 قد أناط بالبنك المركزى وهو شخصية اعتبارية عامة وظيفة الإشراف على هذه البنوك