شروط القاضي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حلقة ( 2) في برنامج فقه التقاضي (شروط القاضي)

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبيِّنا محمد،ٍ وعلى آله وصحَبْه، ومنَ اهتدى بهداه.

أمَّا بعد:ً

فالسلامعليكمورحمةاللهوبركاته،وحيَّاكماللهمستمعيالأفاضلفيبرنامجكم

بيان المراد بالقضاء وأنه: "تبيين الحكم الشرعي، والإلزام به، وفصل الحكومات"، وأنهفرَضْكفاية في الأمُة؛ إذ لا بدَّ للناسمن

قاض يحَتكمون إليه في خصوماتهم، وما ينَوبهم من أمور يلَتبس فيها الحق بالباطل، والنفوس مبنيَّة على المشُاحَّة.

وقد ولَيِ النبي - صلى الله عليه وسلم - القضاء بنفسه، وولََّى عدداً من أصحابه القضاء.

ولا غنِى لأيِّ دولة منِ توفُّر قضاء عادل،ٍ يقُيم الحقوق، ويرَدُّ المظالمِ.

وفي هذه الحلقة أوُرد لكم مستمعي الأكارم، الشروطالتياشترطَها الفقهاء فيمنَ يوُلَّى وظيفة القضاء؛ لمِا في هذه الوظيفة من

الخطورة والمسؤوليَّة.

ومنالمعلومأنَّكلَّولايةأووظيفة،لابدَّمنتوفُّرركنينرئيسينفيها،وهما:القوة،والأمانة،القوةعلىذلكالعمل،والأمانةفيه،

فالعمل الذييتطلَّبالعلم،لابدَّ أن يكون المتولِّي لهعالمِاً، والذييعَتمد قوَّة البدن،لابد أن يكون متولِّيهقوَيَِّالبدن، ولابد أن يكون

أميناً؛لأنَّمنَ ليسبأمين،ٍ لايمُكن أنينُفذ العمل على الوجه المرضي، ويدلُّ على هذين الركنين ماوردَ في القرآن الكريم من قول

العفريتمن الجن لسليمان - عليه السلام -لمََّا قال: ﴿

أنَاَ آتيِك بهِ قبَلْ أنَ تقَوُم منِ مقَاَمكِ وإَنِِّي علَيَهْ لقَوَيٌِّ أمَيِ

وقوله تعالى عن ابنة صاحب مدَيْنَ

ومنالأعمالالمهمَّةفيكلِّدولةوٍظيفةالقضاء،فلابدَّأنيكونالقاضيقوياًّوأميناً،وهذامنحيثالأصلوالعموم،وقدذكرَعلماء

الإسلام أنَّ هناك شروطاً يلَزم توفُّرها في القاضي الذي يوُلَّى هذه الوظيفة، وإليكموها مستمعي الأفاضل باختصار:

"فقهالتقاضي" ،وقدأسلفَتفيالحلقةالماضيةأيَُّكمُيْأَتْيِنيِبعِرَشْهِاَقبَلْأَنَيْأَتْوُنيِمسُلْمِيِن ﴾َ [النمل: 38 ]، ﴿ قاَلعَفِرْيِتمٌنِاَلجْنِِّ﴾ [النمل: 39 ].يا أ ﴿َبتَ استْأَجْرِهْ إنَِّ خيَرْ منَ استْأَجْرَتْ القْوَيُِّ الْأمَيِن﴾ُ [القصص: 26 ].

الشرط الأول:

التكليف: بأن يكون بالغاً عاقلا؛ً لأن غير المكلَّف داخل تحت ولاية غيره، فلا يكون والياً على غيره.

الشرطالثاني:

أنيكونذكراً،وعلىذلكجماهيرالعلماء،ولمَيثَبتفيتاريخالأمُةالإسلاميَّةقبلزمن

وهذا ليسعيباًونقصاً في حقِّ المرأة ، بل هو رحمة بها؛كيلاتلَيِ هذه الوظيفة الشاقة، التي تتطلَّبربَاطةجأَشْوٍقوةتحمُّل لٍأذى

المتخاصمين ولجَجهم، ومعلوم ما فطُرِت عليه المرأة من غلبة العاطفة والشفقة عليها.

الشرطالثالث:

يجَعْلَ اللَّه للِكْاَفرِيِن علَىَ المْؤُمْنِيِن سبَيِلًا

الإسلام، فلا يكون القاضي بين المسلمينكافراً؛ لأن الإسلام شرطللعدالة، والقضاء ولاية، وقد قال تعالى: ﴿ ولَنَْ﴾ [النساء: 141 ].

الشرطالرابع:

يجوز توَلْية منَ فيه نقص يمَنع قبَول شهادته؛ لقوله تعالى:

ولكن يجبأننعلم أَنَّ هذا الشرطإنمايطُبَّق، أويعُملَ به بحسبالإمكان، فإذالمَ يجد الإمام إلاقاضياًفاسقاً، فإنهيوُلَِّيه، مع مراعاة

اختيار أخفِّ الفاسقين فسقاً؛ لقول الله تعالى: ﴿

العدالة، فلا بدَّ أن يكون القاضي عدلا،ً وضده الفاسق، وهو منَ أصرَّ علىصغيرة، أو فعلَكبيرة، ولمَيتَبُ منها، فلاي ا ﴿أيَُّهاَ الَّذيِن آمنَوُا إنِ جاَءكَمُ فاَسقِ بنِبَإَ فتَبَيََّنوُا﴾ [الحجرات: 6].فاَتَّقوُا اللَّه ماَ استْطَعَتْمُ﴾ْ [التغابن: 16 ].

الشرط الخامس:

أن يكون سميعاً؛ لأن الأصمَّ لا يسمع كلام الخصَمين.

الشرط السادس:

أن يكون متكلِّماً؛ لأن الأخرس لا يمُكنه النُّطق بالحكم، ولا يفَهم جميع الناس إشارته.

الشرطالسابع-وإليهذهبَبعضالعلماء-:

بعض العلماء جواز توَلْية الأعمى القضاء، ولا سيَّما عند الحاجة إلى توَلْيته.

أنيكونبصيراً؛لأنالأعمىلايعَرفالمدَّعيمنالمدَّعىعليه،ولاالمقُرمنالمقُرله،ويرى

وأمَّا الشرط الثامن، فهو أن يكون القاضي مجتهداً، والاجتهاد نوعان:

الأول:

اجتهاد مطُلق، وهو الاجتهاد في أقوال العلماء كلهم، بحيث يطُبِّق هذه الأقوال على الأدلة، ويختار ما هو الصواب.

الثاني:

المرجوح؛ قال الإمام ابن القيِّم - رحمه اللهتعالى -: "لايشُترطفي المجتهدعلِمه بجميع ما قاله النبي -صلى اللهعليه وسلم -وفعِله،

فيما يتعلَّق بالأحكام، ولكن أن يعلم جمهور ذلك ومعُظمه".

وأمَّا المقُلد، وهو الذي لا يجَتهد أبداً، وإنما يتقيَّد بكتاب أو متَن فقهي مثلا،ً فهذا لا يوُلَّى القضاء عند أهل العلم.

وذهبَبعضأهل العلم إلىصحة تولية المقلِّد القضاء؛ قال المرداويفي الإنصاف: "وعليه العمل من مدةطويلة، وإلا تعطَّلتأحكام

الناس"،وذكرَابنالقيم:أنَّالمجتهدهوالعالمبالكتابوالسُّنة،ولاينُافياجتهادهتقليدغَيرهأحياناً،فلاتجدأحداًمنالأئمَّةإلاَّوهو

مقُلِّد منَ هو أعلم منه في بعض الأحكام".

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه اللهتعالى - عند حديثه عن الشروط اللازمة فيمنَ يولَّى القضاء: "وهذه الشروطتعُتبر حسب

الإمكان، وتجَب ولاية الأمثل فالأمثل، وعلى هذا يدلُّ كلام أحمد وغيره، فيولَّى لعدم اٍلأنفع مُنالفاسقِيَنْ وأقلُّهما شراًّ، وأعدْلَ

المقُلِّديَنْ وأعرفهُما بالتقليد"؛ انتهى.

وبذا نعلم مستمعي الأكارمحرِصْعَلماء هذه الأمة على ألاَّ يتولَّى وظيفة القضاء إلاَّ منَ أهُِّل لَها، ولدَيه القدرة على تحمُّل هذه

الأمانة.

وهذا فيما لو كان القضاة يحَكمون بالكتاب والسُّنة، ويجتهدون فيما لا نصَّ فيه.

غيرأنهفيزمانناالمعاصرتساهلَتكثيرمٌنالدولالإسلاميةفيتحكيمشرَعْاللهتعالى،ولجَؤَوُاإلىقوانيندخيلة،أخذوهامندول

كافرة، ففرضَوا التحاكم إليها، وألزْمَوا القضاة بها، وإلى الله المشُتكى.

وقدقالاللهتعالى:﴿

اجتهادمقُيَّد، بأن يكونمجتهداً في مذهب أحد الأئمة؛يقُارن بين الأقوال،ويعَرضها على الكتاب والسُّنة،ويعَرفالراجح منوأَنَاِحكْمُبْيَنْهَمُبْمِاَأنَزْلَاَللَّه ﴾ُ[المائدة: 49 ]،وقالتعالى:﴿إنَِّاأنَزْلَنْاَإلِيَكْاَلكْتِاَببَاِلحْقَِّلتِحَكْمُبَيَنْاَلنَّاسبِمِاَأرَاَكَ

اللَّه ولََا تكَنُ للِخْاَئنِيِن خصَيِماً

وما أجدر الأمُة الإسلاميَّة إلى العودة إلى كتاب ربها - تلاوة وتعلُّماً، وعملا وتحكيماً - ففيه الخير والفلاح في الدنيا والآخرة.

ولن تخَلو الأمة الإسلاميَّة من فقهاء ومجُتهدين في الدين، يلُجأَ إليهم في الخصومات والنوازل.

نسألاللهتعالىبمنِّهوكرمَه،أنيجعلنَاممنرضَوُابالتحاكمإلىكتابهوشرعه،وألاَّيجَعلناممنتنكَّبواكتابهالكريم،وتحاكمَوا

إلى قوانين وضعيَّة صيِغت من البشر للبشر، وتركَوا كلام ربِّ البشر - جلَّ جلاله.

وإنممايذُكرويشُكرمامنَّاللهتعالىبهعلىبلادناالمملكةالعربيةالسعوديةمنالتحاكمإلىالشرعالمطُهر،فللهالحمدعلىهذه

النعمة، ونسأله - سبحانه - أن يدُيمها علينا، وأن يرَزقنا الثبات عليها، والله تعالى أعلم.

مستمعي الأفاضل، هذا ما تيسَّرذكِره في هذه الحلقة، وموعدنا في الحلقة القادمة - بإذن اللهتعالى - لنواصل الحديثحول القضاء

وآدابه، وما يلَزم القاضي في عمله.

وحتى ذلك الحين، أستودعكم الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

﴾ [النساء: 105 ]، وقال تعالى: و﴿َم ن لمَ يحَكْمُ بمِاَ أنَزْلَ اللَّه فأَوُلئَكِ همُ الكْاَفرِوُن﴾َ [المائدة: 44 ].

أهم المراجع:

الشرح الممُتع، حاشية ابن قاسم.


منقول
تقبلو تحيات
المحامي فهد بن منصور العرجاني