احذورا
( الجزء الثاني )
هذا زمن دعاة الجهالة والغواية والضلال
ا
لقد أظلنا زمن ظهر واستعلى فيه ( هؤلاء المتأسلمون ) دعاة الفتنة والجهل والجهالة والغواية والضلال .
فمن أين أتوا لنا بكل هذا الجهل والعنف والحقد والغل والرغبة فى الإنتقام ولماذا هذا التدمير والتخريب ؟
ومن أين أتوا لنا بهذا التخريف والتحريف والتضليل والخزعبلات ؟
ومن أين أتوا لنا بهذا المسخ الدجال ؟
من أين أتوا لنا بكل هذا الغباء الرَدِى القبيح السمج الرَذِيل ؟
وما هذا الظلام والظُلمة ؟
وما تلك القسوة والغَلِظَة التى استوت واستولت على هذه القلوب ؟
وكيف يكون هذا دينا ؟ ومتى صار هذا دينا ؟
وهل يعقل أن تكون هلوسة أحلام اليقظة وهذيان أصحاب الامراض النفسية دينا ؟ هذه بدع وضلالات نادى بها من قديم , وينادى بها الآن المسيخ الدجال وأتباعه الغاوون وتأمل معى أخى المسلم بعين قلبك ونور بصيرتك فى جملة " وَمِنَ النَّاسِ " ولم يقل سبحانه : " ومن الكافرين أوالمشركين " إنما قال " وَمِنَ النَّاسِ " فى قوله تعالى :{وَمِنَ النَّاسِِِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِِِاٌللهِ وَباٌلٌيَوٌمِ اٌلٌأَخٌِرِ وَمَاهُم بِمُؤٌمِنِينَ 8 يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون الإ انفسهم وما يشعرون 9 فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون 10} (12 البقرة) من الناس أى من عموم الناس بما فيهم المسلمين ( وهؤلاء المتأسلمين ) وكذلك تأمل قوله سبحانه :
{ وَمِنَ النَاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ فِى الٌحَيَوةِ اٌلٌدُّنيَا وَيُشٌهِدُ اللهُ عَلَى مَا فِى قَلبِِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ ....} ( البقره 204 )
من الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا وتنخدع من دَجَلَهُ واحتياله وكذبه ووعوده الزائفة . و الله المطلع على خبايا القلوب يشهد بأن له لدداً فى الخصومة . وأنه شديد فى الباطل . فإذا ما تولى سلطة أو منصب سعى ليفسد فى الأرض بالغى و العدوان ويدمر ويهلك أسباب الأمن والاستقرار . مثله فى ذلك المسيخ الدجال بل هو عين المسيخ الدجال . فهما شرار الخلق والخليقة .
المسيخ الدجال
{ رؤية وتفسير من الكتاب والسُنَةٌ }
وأعتقد وأقول والله أعلى وأعلم بأن المسيخ الدجال إنما هو روح الشر المتخفى زوراً وخداعاً فى مظاهر التدين وهو فى ذات الوقت يحمل فكراً وابتداعأً وكذباً متعمداً قصد به التحريف فى العقيدة و صحيح الدين , والدجل به والتدليس على العباد . آمن بفكر هذا المسيخ الدجال وبدعه وضلاله واعتقاداته فرقة أو جماعة أو قوم أو أشخاص فتجلت عليهم وتلبستهم روحه الشريرة المتخفية فى مظاهر التدين وانقاد لهم وتابعهم السذج من عامة المسلمين . ولذا فإن أى فرد من هذه الفرق والجماعات أو هؤلاء القوم أو الاشخاص إنما هو ماسخ لأصل أو أكثر من أصول الدين فإذا ما مارس نشر انحرافه وبدعه وضلاله .
بالدجل والاحتيال والأباطيل والتأويل والتدليس على عباد الله وعامة المسلمين فقد تلبسته روح المسيخ الدجال فصار بذلك هو( مسيخ دجال) روحا وحقيقة . مهما تخفى وتمسح فى مظاهر التدين باللحية أوالثياب أو المزاحمة فى صلوات الجماعة أو حصوله على أعلى الشهادات العلمية أو كان من أعلى القيادات الدينية فكونه تعمد عن قصد أوعن جهل التحريف فى صحيح الدين والانحراف عن أصول العقيدة المحمدية . وانحرف قاصداً أو جاهلاً أو مقلداً أو تابعاً على مَبْدَأْ السمع والطاعة انحرف بذلك عن الصراط المستقيم صراط رسول الله الذى بينه ووضحهُ لنا غاية الوضوح وكان ذلك الانحراف سببا فى تشويه دين الله فإن صاحبه والقائم به يقينا ومهما كان مظهره ومنصبه ( مسيِخ دخال) تلبستهُ هذه الروح الشريرة جوهراً وحقيقهً وقلباً وقالباً , لأنه مسخ الشئ عن أصله الطيب الكريم إلى شئ آخر قبيح فهو ماسخ أو مسيِخ .
على وزن فعيِل مثل ( حقير وقبيح ودميم وزنيم ولئيم ..) .
وقد مارس بدعه و سعى هذا المَسيِِخ لنشر مَسخهُ بالدجل فهو ( مسيِخ دجال ) وكل من يدعو بدعوتهِ أو ينادى بها أو يجاريه فى كذبه وانحرفهِ أو ينساق وراء زيفه وبدعه وضلاله إنما هو أيضا وبكل يقين ( مسيِخ دجال ) أعاذنا الله من شر فتنةً ذلك .
وفى اللغة : مَسَخَهُ – مَسخاً أى حول صورته الى أخرى قبيحه .
وجمعه : مُسُوخ وأيضا مسِـيخً – والمَسِـيخُ . المشوةُ ـ و دَجَلَ – دَجْلاً : كذب ومَوّه . فهو داجل . ودَجَّال ـ و( دَجَّلَ ) بالغ فى الكذب والتمويه . وألبس الحق الباطل فهؤلاء الضالون شوهوا الدين والعقيدة إلى صورة قبيحة . فأصبح مَسـِيخاً مشوهأ وصار شيئا آخر وبالدجل ألبسوهُ الباطل فهو فأصبح غير دين الله السمح الطيب الجميل . وهم فى ذلك على خطى ومسلك وطريق المسيخ الدجال . فهم دجالون ماسخون .
وقد قال تعالى : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ( الكهف 15 ) وإن ما ذهبت إليه من أمر المَسيِِخ الدجال لعنه الله إنما هو رأى رأيته وهو لا يتعارض مع أحاديث سيد البشر التى ذكرت شأن الدجال ويتفق تماماً مع الآية الكريمة . كما أنه أقتضى كمال الخلق والإبداع الإلهى أن جعل لكل كائن حى نصيبا من عالم الغيب . هى روحه وهى حقيقته وذاته وجوهره . تظهر هذه الروح فى عالم الشهادة وتتجلى على قالب مادى ترابى فتصبغه بحقيقتها وتطبعه بطبائعها وتظهر فيه وعليه , فتكون هى هو روحاً وحقيقةً وذاتاً وجوهراً فيكون القالب المادى الترابى لها ظاهر وهى باطنهُ .
وقد حذر كل نبى من الانبياء أمته من المسيخ الدجال بنص حديث رسول الله وذلك يدل على أن المسيخ الدجال موجود منذ أول خلق البشرية وأن جميع الامم السابقة كانت تستعيذ بالله من فتنته وشره وهذا يشير ايضا بأنه لم يكن إنساناً واحداً بعينه وإلا كان من المستحيل أن يعيش كل هذا الزمن من آدم () وحتى الآن وإلى قيام الساعة دون أن يكون ظاهرة دينية لها شأن جلل وأثرعظيم تستحق الاهتمام بها شأن ابليس عليه لعنه الله . وتستحق أن ينوه عنها فى القران الحكيم وهذا ما لم يحدث اطلاقا فى القرآن العظيم ولم يأتى ذكر هذا الدجال أو صفته أو هيئته أو طريقة حياته فى كتاب الله أو فى سند صحيح متفق عليه . كما أن المخلوق البشرى بطبيعته البشرية لا يعيش الدهر كله , بينما الفكرة أو العقيدة أو المنهج تعيش الدهر كله وهى تختفى وتخبو أحيانا وتظهر وتنتشر وتعلو أحيانا .
ومعنى ظهور المسيخ الدجال فى آخر الزمان هو ظهور هذه الروح الشريرة والعقيدة الفاسدة فى رجال تلبستهم هذه الروح الشريرة , متمثلة فى الاستعلاء والتغلب على المسلمين بالخداع والغش بمظاهر التدين الزائف , وقهرهم للمسلمين وتحير المسلمين فى أمرهم وتضليلهم فى العقائد ومحاربتهم للناس فى أمنهم وأرزاقهم واستقرارهم وفى كل مكان فى الأرض وبكل الوسائل والإساليب وقد تجسد ذلك تماما الأن فى رجال متأسلمين . وها هو النبى الاعظم يتنبأ بهم : فعن أبى سعيد الخدرى قال : { بينما رسول الله يقسم قسماً } .
قال ابن عباس : [ كانت غنائم هوزان يوم حنين ]
إذ جاءه رجل من تميم " ذو الخويصرة التميمى حرقوص بن زهير " وهو مقلص الثياب ذو شيماء بين عينه من أثر السجود
فقال : إعدل يارسول الله . فقال :
{ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل ؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل , ثم أشار إليه و قال يوشك أن يأتى قوم مثل هذا . يحسنون القيل ويسيئون الفعل , هم شرار الخلق والخليقة يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه فى شئ يقرءون القرآن لايجاوز تراقيهم يحسبونه لهم وهو عليهم ليست قراءتكم إلى قراءتهم بشئ ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشئ ولا صيامكم إلى صيامهم بشئ , يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يعودون إليه إلا كما يعود الجمل فى سم الخياط . محلقين رؤوسهم وشواربهم , أزرهم إلى أنصاف سوقهم , يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان , فمن لقيهم منكم فليقاتلهم . فمن قتلهم فله الفضل والأجر ومن قتلوه فله الشهادة } صدق الرسول العظيم وقد روى هذا الحديث عدد 9 تسعة من كبار الصحابة
فى كتاب بدء الخلق وعلامات النبوة للبخارى والنسائى فى خصائصه ومسلم فى صحيحه واحمد فى مسنده وابن ماجة فى صحيحة والحاكم فى المستدرك .
وهذا هو الشأن الآن حيث قد ظهرت دولتهم دولة شرار الخلق والخليقة دولة الدجل والمسخ والفساد والظلم والطغيان والضلال و الانحراف عن صحيح الدين , والتطاول على مقام النبوة والعلماء الصالحين وأهل البيت الأطهار والأولياء الأبرار .
ومما سبق ندرك أن المسيخ الدجال إنما هو روح حقيقة قوة الضلال والغواية والشر والفساد والطغيان المتمسحة فى مظاهر التدين الزائف البعيدة عن تقوى الله وعن سماحة ونقاء الإسلام والدين الصحيح وهى تعمل على الإنحراف عن الفطرة السليمة وأن هذه القوة ( الضالة المضلة ) لها رجالها التى تظهر فيهم وعليهم فى كل العصور وكل من اتبعها وسلك طريقها فهو مسيخ دجال فى الحقيقة وفى زمنه ومن يتبعه يضله ويغريِِهُ بالتدليس والدجل والاحتيال عليه بمظاهرالتدين الزائف والدين الكاذب الممسوخ وزخرف القول زوراً وبهتاناً وقد قال تعالى :
{شَيـاطِينَ أٌلٌإنِس وَالجِنِ يُوحِى بٌَعٌضُهُمٌ إِلَى بَعٌِضِِ زُخٌرُفَ اٌلٌقَوٌلِ غُرُورًا}
( الانعام 112)
وهو أعور لأن المؤمن يرى بعينى البصر والبصيرة معا . أما هو فإنه يرى بعين الرأس فقط دون عين البصيرة التى عميت و طمست فأصبح بلا بصيرة فهو أعور والعياذ بالله من عمى البصيرة وهو بنص الحديث النبوى الشريف أشر الناس . وهذا الذى ذكرت من أمر المسيخ الدجال . لا يمنع من وجود مسيخ دجال هو كبير هؤلاء الدجالين وزعيمهم ورأسهم الموصوف بالأحاديث الواردة بشأنه . يظهر فى آخر آخر الزمان تنطبق فيه وعليه مثل هؤلاء تماما النعوت والصفات التى وردت بهذه الأحاديث من أنحراف وعتو وغى وضلال . يفسد فى الأرض غاية الإفساد ويقتله ويقضى عليه سيدنا المسيح عيسى بن مريم والله اعلي واعلم.
سامي عبد الجيد احمد فرج ( امانة من مؤلف الكتاب )