-لمستشار عبد الغفار محمد هو علامة مضيئة في تاريخ القضاء المصري الحديث.. ويعتبره كل من عرف تاريخه في القضاء بأنه أعظم قاض في تاريخ مصر كلها.. ومواقفه أثناء نظر القضية لا يستطيع أي قاض اليوم أن يقوم بشئ منها.
- أما علمه وسعة إطلاعه وإلمامه بكل ما يتصل بالقضية إلماماً عظيماً لم يحدث من قبل.. ولا أظنه أن يحدث بعد ذلك.. فبرغم سنه وضعف نظره إلا أنه كان يحفظ موقف كل واحد في القضية عن ظهر قلب.. رغم أنها أكبر قضية سياسية في تاريخ مصر.. إذ بلغ عدد المتهمين فيها 302 متهم.. وقد عنف بعض المحاميين الذين أتوا للمرافعة أمامه دون أن يقرأوا جيداً ملف المتهم الذي يدافعون عنه.
- وإذا تركنا المواقف وجئنا إلي الأحكام فالمحامون كانوا يتوقعون أن يتم إعدام20 علي الأقل.. والدولة جهزت عربات خاصة للإعدام بعد الحكم تسع 55متهماً.
- ولكن هذا الرجل العظيم لم يلوث يديه الطاهرتين بدماء أحد من الإخوة.. بل أنه برأ قرابة 240 متهماً.. وقضى بالسجن فقط علي 77 متهماً.. مما جعل الأهالي يخرجون في مظاهرات صاخبة فرحة بجوار المحكمة.. وبعضهم يهتف.. وبعضهم يبكي فرحاً.. وبعضهم لا يدري ماذا يفعل من شدة الفرحة..وكلهم سارع بالاتصال ببقية الأهل والأقارب لطمأنتهم.
- أما عن الحيثيات التي أصدرها فهي أعظم حيثيات كتبها قاض في التاريخ الحديث كله.. فهذه الحيثيات في ذاتها كانت أعظم من الحكم نفسه.
- فقد أشار فيها إلي أن الشريعة الإسلامية غير مطبقة في مصر.. وطالب بتطبيقها.
- كما أشار فيها إلي إجابة عن سؤال هام.. حيث قال قد يسأل البعض لماذا لم أحكم بالشريعة الإسلامية في هذه القضية؟
- فقال كلمة بليغة جداً: لأنني في حكم المكره شرعاً والملزم قانوناً.
- والحقيقة أن الجميع وقتها كان يعلم يقيناً أن المستشار عبد الغفار لو ترك القضية لغيره لنكل بهؤلاء المتهمين تنكيلا.. وكل أوراق القضية تساعده علي ذلك.
- ولعل في هذا درساً بليغاً في فقه الموازنات.. وفقه المصالح والمفاسد الذي تحتاج إليه الحركة الإسلامية اليوم أكثر من ذي قبل.
- إن هذه الحيثيات يحتاج الحديث عنها إلي كتاب مفصل ولو مد الله في عمري لكتبت عنها كثيراً.
- أما الأغرب والأعجب في قصة المستشار عبد الغفار معنا هو أنه من القضاة القلائل في التاريخ الذين أحبهم من سجنهم لربع قرن كامل.
- لقد عرفنا فضل هذا الرجل وقيمته وحلمه وعلمه وتجرده وعدله.. فكنا ندعو له باستمرار.. وهذه يندر أن تجدها اليوم في الحركة الإسلامية.. ولكنه شئ يتفرد به هذا الجيل من أبناء الجماعة الإسلامية الذين تميزوا بشئ هام.. وهو الوفاء لمن أسدى لهم معروفاً.. ومعرفة الفضل لأهله.. وتقدير مواقف الناس تقديراً صحيحاً.
- وأذكر أن أحد المحامين الإسلاميين جاء لزيارتنا في السجن بعد الأحكام.. فقلنا له:
- سلم لنا على المستشار عبد الغفار وقل له: إننا ندعو له.
- وكان المستشار وقتها قد تقاعد من القضاء وعمل بالمحاماة.
- فقال: كيف تحبون وتدعون لرجل جعلكم تمكثون كل حياتكم وشبابكم في السجن.. من المفروض أن تبغضوه.
- فقلنا له: لو أحدنا كان مكانه لما استطاع أن يفعل كل ما فعل هذا المستشار العظيم.. فعجب هذا المحامي جداً.
- وأنا أقول: إن الجماعة الإسلامية تفعل ذلك ومازالت تفعله لوجه الله.. وهي تثني إلى اليوم صادقة على هذا المستشار العظيم في وقت لا يملك فيه من حطام الدنيا شيئاً.
- واليوم سنجعل هذا الجزء من حورانا مع أ. يوسف صقر المحامي حول صديق عمره المستشار عبد الغفار.. و أ. يوسف صقر كما عرفته بتميز بالوفاء لأصدقائه وأحبائه وقد ارتبط كل منها بالآخر طوال مسيرة تمتد إلى 28عاماً.
- والآن إلى هذا الجزء من الحوار...
- تعرفت على المستشار عبد الغفار محمد الذي نعتبره جميعا من أعظم قضاة مصر.. ثم توطدت العلاقة بينكما إلى صداقة عميقة وخاصة بعد تقاعده.. فما هي بداية تعرفك عليه؟

|
الأستاذ يوسف صقر مع المستشار عبد الغفار
|
- كانت بداية تعرفي الحقيقي عليه بعد أن بدأت أكبر قضية في تاريخ مصر كلها.. والتي أسميت وقتها قضية الجهاد الكبرى.. وكان رئيس المحكمة وقتها المستشار عبد الغفار محمد ولم أكن أعرفه من قبل.. وكانت المحكمة وقتها تخضع لحراسة مشدده جداً.
- وفى يوم من الأيام حضرت أنا والأستاذ. إبراهيم خليفة المحامى.. وحدثت مشادة بين الأستاذ. إبراهيم وحراسة المحكمة.. وألقوا كارنيه المحاماة على الأرض.. وحدثت مشادة كبيرة بيننا على إثر ذلك.. وشعرت وقتها أنهم سيقبضون علينا فذهبت إلى محكمة شمال القاهرة وأحضرت 15 محامياً ليعضد بعضنا بعضا في هذا الموقف.
- وفى هذه اللحظة حضر المستشار عبد الغفار ومعه طاقم حراسته.. فشكونا له الأمر.. فقام بالصلح بيننا.. ولكن ضباط حرس المحكمة قالوا:
- لابد من القبض على يوسف صقر لأن الأوامر جاءت بذلك.. فغضب المستشار عبد الغفار غضبا شديداً.. ونادي اللواء. رئيس حرم المحكمة.. وزجره زجراً شديداً وقال له بصوت عال: أنا هنا المسئول وحدي عن المحكمة.. وأنت يا أستاذ يوسف جزء من المحكمة.. وإهانة يوسف صقر هي إهانة للمحكمة.. ولن يذهب إلى أي مكان.. ثم كتب في محضر الجلسات تأشيرة بإمضائه بأن تحقق النيابة في واقعة الاعتداء علينا كمحامين.. ولا يجرؤ أي قاض اليوم أن يفعل ذلك..
- ومن ذلك اليوم شعرت أن المستشار عبد الغفار ليس ككل القضاة.. ولكنه قاضٍ له هيبة ومكانة وشخصية ورجولة.
- وبعد ذلك في القضية عرفت أنه من أعلم القضاة بالقضاء والقانون.. وعرفت أنه درس القضية جيداً.. وكان أعرف الناس بها.. وكان يعرف موقف كل واحد فيها.
- وماذا عن المواقف الأخرى التي أعجبتك في شخصية المستشار عبد الغفار محمد.. وجعلته بعد ذلك من أخلص أصدقائك؟
- المستشار عبد الغفار محمد فعل أشياء لم يستطيع أي قاض في تاريخ مصر الحديث كله أن يفعلها.. فهو الوحيد في تاريخ القضاء المصري في القضايا السياسية الكبرى الذي يفتح باب المرافعة مرة أخرى بعد أن أغلقها.
- وهذه القصة عشتها بنفسي من بدايتها فقد اكتشفنا أن بعض المتهمين من الإخوة لم يتم الترافع عنهم في شق الوقائع الخاصة بهم.. وتم الترافع عنهم فقط في الشق العام فذهبت مع مجموعة من المحامين وكان على رأسهم الأستاذ. شمس الدين الشناوي والأستاذ. محمد المسماري وكيل النقابة وقتها رحمهما الله إلى المستشار عبد الغفار محمد وكان يجلس معه المستشار جمال فؤاد وعرضنا عليهما المشكلة.
- فقال المستشار عبد الغفار مازحا: يا جمال ده فيه ناس تراقبنا في المحكمة.
- فقلت له: لا.. يا سيادة المستشار نحن نساعدك فقط للوصول إلى الحق.
- فقال المستشار عبد الغفار: أنا موافق على فتح باب المرافعة من جديد.. انتدبوا أى محامين ليكملوا المرافعات.. وفتح باب المرافعة والدفاع من جديد مرة أخرى بعد إغلاقه.. وكنا قد جمعنا من قبل خمسين أخاً لم يتم الترافع عنهم في شق الوقائع ومنهم الشيخ. طارق الزمر.
- وكان هذا من أعظم مواقف المستشار عبد الغفار في هذه القضية.
- سمعت أن المستشار عبد الغفار كان زاهداً نظيف اليد.. حتى أنه كان مستشاراً بالاستئناف وكان يركب المواصلات العامة.. وكانت أسوأ بكثير مما هي عليه الآن.. وأسوأ من الميكروباص بكثير.. فهل هذا صحيح؟
- نعم.. لقد كان في قمة الزهد ونظافة اليد.. ولو أراد الدنيا كلها لركعت تحت قدميه ولكن رفضها وحكم ضميره وحده.
- لقد كان من أعظم القضاة حقاً.. حتى أنه بعد تقاعده من القضاء وعمله بالمحاماة قبل أن يحدث له انفصال شبكي كامل.. لم يكن يملك مكتباًً للمحاماة يمارس فيه مهنته.. رغم أنه خرج للمعاش بدرجة وزير.. بعد أن وصل إلي أعلي درجات السلم القضائي في الاستئناف.. وحتى أنه بني بيته البسيط الذي يعيش فيه الآن بقرض.
- وهو الآن يعيش حياة بسيطة للغاية.. وله ابن مهندس حاصل علي ماجستير هندسة معمارية ولا يجد عملاً له في مصر.
- هذا رجل باع الدنيا كلها من أجل مبادئه ومن أجل إحقاق الحق.
- بمناسبة الانفصال الشبكي.. لقد حدث له ذلك أثناء نظر القضية وسافر للعلاج في لندن.. ثم عاد مرة أخرى.. ألا تذكر ذلك؟
- نعم أذكره.. فقد أصيب بانفصال شبكي حاد أثناء نظر القضية نظراًًَ للإجهاد الفظيع من كثرة القراءة في ملف القضية.. الذي تجاوزت أوراقه أكثر من ثلاثين ألف صفحة وكان يحفظها عن ظهر قلب.
- وكذلك لإرهاقه في جلسات القضية الذي تجاوزت عدد جلساتها مئات الجلسات.. وكانت بعض الجلسات تستغرق تسع ساعات كاملة.
- وقد مكث في لندن للعلاج عدة أشهر..وأظن أن هذه الفترة كان لها تأثير خاص في شعوره بما يعانيه د. عمر عبد الرحمن بالذات في السجن مع كف بصره.
- هل يمكنكم أن تلخص شخصية المستشار عبد الغفار محمد للقراء في كلمات؟
- لن تعرف الأجيال الجديدة قدر هذا القاضي العظيم إلا إذا علمت أن هذه القضية كان فيها 302 متهم.. وكانت النيابة تطالب بإعدام 300متهم.. وكانت أكبر قضية في تاريخ مصر كلها.
- وكان الجميع يتوقع إعدام 50 متهماً علي الأقل.. وأن يتم سلق القضية في عام أو أقل قليلاً.. ولكن القضية استمرت أربع سنوات كاملة.
- وتمت المرافعة فيها بأمانة وحرفية عن كل واحد فيها.. وكان جميع الأهالي والمحاميين يحضرون كل الجلسات.
- وهو القاضي الوحيد الذي قرأ كل حرف عن القضية.. وكان يصحح لأي محامي يُخطئ وهو يترافع عن شخص واحد.. فالمحامي لا يعرف موقفه جيداً.. ولكن المستشار عبد الغفار كان يعرف الموقف القانوني لكل واحد منهم.
- وفي ختام القضية أصدر أحكاماً تاريخية لم تحدث ولن تحدث.. فقد قضى ببراءة 240 متهماً وأحكام بالسجن مختلفة لـ77متهماً.. ولم يحكم بالإعدام علي أحد علي الإطلاق.
- الخلاصة أن المستشار عبد الغفار يساوي في كلمات بسيطة الكفاءة المهنية والأمانة معاً.. وهو قاض نادر الوجود باع الدنيا كلها.. واتقى الله في حكمه.. ولو أراد أن يكون وزيراً لأصبح كذلك بسهولة.
- رغم هذا الزهد فإن الله أكرمه بأن وصل إلي أعلي درجات السلم القضائي بكفاءته ونزاهته وكان أخر منصب تولاه هو رئيس محاكم استئناف القاهرة.
- أظن أن حكمه هو الحكم الوحيد الذي خرجت مظاهرات في الشوارع من الإخوة والمحاميين تؤيده وتشيد به؟
- نعم.. فلأول مرة في تاريخ مصر الحديث تخرج مظاهرة ضخمة في الشوارع بعد النطق بالحكم يشارك فيها الإخوة.. والمحامون.. والأهالي فرحاًً بهذا الحكم.. وقد كان علي رأس هذه المظاهرة الشيخ محمد شوقي الإسلامبولي.
- وقد نشرت مجلة المصدر صور هذه المظاهرة.. وعندي هذه الصور إلي الآن.
- لقد كانت فرحة لا مثيل لها.. لقد اهتزت أقفاص المتهمين فرحاً وسروراً وامتلأت قاعة المحكمة بالزغاريد والهتافات.. لقد كان يوماً مشهوداً من أيام الله سبحانه وتعالي.
- وقد كان من آثار هذا الحكم العظيم إلغاء قضية الانتماء تماماً والإفراج عنهم جميعاً وكان عددهم 700 متهم.. فكان المستشار عبد الغفار سبباً في الإفراج عن ألف مسلم.
- وقد كان المستشار عبد الغفار مع حسمه وقوته وشجاعته حليماً مع المتهمين.. وكان يستمع إليهم دائماً.
- المستشار عبد الغفار أفسح صدره للجميع.. استمع إلى المحامين جميعاً صغيرهم قبل كبيرهم واحترمهم جميعاً.. واستمع إلى الإخوة من داخل الأقفاص.. وكان يسمح للإخوة المتهمين أن يقولوا كلمة عن الإسلام كل يوم.. وهذه الكلمات كلها موجودة في ملف القضية.. فكان الدكتور عمر يتحدث أحياناً أو الشيخ عبود الزمر.. أو الشيخ كرم زهدي.. أو د. ناجح إبراهيم.. أو د. أيمن الظواهري.. أو د. طارق الزمر.. أو الشيخ أسامة حافظ.. وأحياناً د. أيمن الظواهري كان يترجم بالانجليزية أو يتحدث بها للمراسلين الأجانب.. كما أن المستشار عبد الغفار كان يسمح للأهالي باستمرار الحضور.
- بل كان يسمح للمتهمين بالزيارة في مكان خصص لذلك لأن المحكمة وقتها كانت في أرض المعارض بمدينة نصر.. وقد بنيت قاعة خاصة بهذه المحكمة فقط.. وكان فيها 16 قفصاً كبيراً.. كل قفص منها كان يسع قرابة 12 متهماً.. وكان في كل قفص ميكرفون يتحدث فيه أي متهم للمحكمة حينما تسمح له بذلك.. وكانت هناك ميكروفونات عند منصة القضاة.. وميكروفونات للمحامين.. وكان فيها أماكن للمحامين.. والأهالي.
- كما أن المستشار عبد الغفار هو القاضي الأول في مصر الذي يسمح لأحد المتهمين وقتها وهو د. عمر عبد الرحمن للدفاع عن نفسه في ثلاث جلسات كاملة تحدث فيها د.عمر حديثاً من القلب أبكى الجميع.
- وهذه المرافعة الرائعة موجودة في كتابه "كلمة حق".. وأظن أن هذه الكلمات بالذات كان لها أكبر الأثر على المستشار عبد الغفار وزميليه المستشار جمال فؤاد والمستشار إبراهيم عبد السلام.
- وهذه المرافعة لم تؤثر في هيئة المحكمة فقط.. ولكنها أثرت أيضاً في كل المحامين من جميع الاتجاهات الذين حرصوا على حضورها.
- وهذه المرافعة بالذات غيرت فكر الكثيرين منهم من معاداة للتيار الإسلامي إلى موالاة للعمل الإسلامي.. وحب للإسلام.. وبعضهم بعد ذلك ترك التيار الاشتراكي أو الليبرالي أو اليساري ليكون بعد ذلك من أبناء التيار الإسلامي.
- ومن مفارقات القدر أن الدكتور عمر عبد الرحمن دخل في خمس قضايا في قرابة عشر سنوات ولكنه برأ منها جميعاًً..
- هل يمكن أن تُذَكّر القراء ببعض كلماتها المؤثرة؟
- نعم. فقد كانت فيها كلمات خالدة جميلة منها : "سيادة المستشار: إن الله يمنعك من الحكومة ولكن الحكومة لا تمنعك من الله"
- وقوله له: "إذا حدّثك وزير العدل علي المسرة (أي التليفون) فلا تستجيب له"
- وقوله كذلك: "يا سيادة القاضي المستشار اتقي الله فإنك غد اً توشك أن تؤخذ من سرير قصرك إلى قبرك"
- ولكن ما هي قصة حديث وزير العدل للمستشار في التليفون؟
- هذه قصة مشهورة معروفة ولا يجرؤ عليها سوي أمثال المستشار عبد الغفار.. فقد قيل له هناك تليفون هام لسعادتك ، فلما علم أنه وزير العدل الذي يحدثه أغلق التليفون وقال : لا يجوز لوزير العدل أن يحدث قاضٍ ينظر قضية عن هذه القضية.. وهذه القصة عرفها الجميع أثناء المحكمة، ولذلك اطمأن الجميع إلي هيئة المحكمة حتى قبل الحكم.
- ويمكنني القول وأنا اليوم في الثمانين من عمري أنه ليس هناك أشرف ولا أنظف من هؤلاء المستشارين الثلاثة: (م. عبد الغفار و م. جمال فؤاد.. و م. إبراهيم عبد السلام).
- هؤلاء أدوا واجبهم أمام الله وراقبوا الحساب عند الله قبل أن يراعوا أي حسابات دنيوية أخرى.
- وما هي الحالة الصحية الآن للمستشار عبد الغفار محمد؟
- المستشار عبد الغفار يعيش وحيداً الآن مع ابنه المهندس في منزله المتواضع.. وآخر مرة تحدثت إليه فيها قال لي: "سلم لي على الشيخ عبود وقل له: إنني لم أظلمك.. ولم أظلم أي أحد"
- قلت للأستاذ يوسف صقر: أرجو أن أسلم على سعادة المستشار فسلمت عليه في التليفون.. وقلت له: "كلنا ندعو لك دائماً.. ونذكرك بكل خير ونذكر إنصافك وحلمك وأنك كنت أفضل قاض رأته الحركة الإسلامية في مصر.
- فقال لي: يا ناجح أنا أديت واجبي على أكمل وجه.. وأرجو أن ألقى الله وهو راض عني.. كما أرجو أن يحسن خاتمتي.. وقال لي: سلم لي على كل الإخوة بغير استثناء.. واطمأننت منه على صحته.
- وقلت له: أنت القاضي الوحيد في العالم كله تقريباً الذي يحكم على أشخاص بالسجن ولكنهم يحبونه ويدعون له من كل قلوبهم.. وكلنا بلا استثناء يفعل ذلك.. فقال لي: هذه من الله وحده.
- ثم عاودت الحوار مع محدثي أ. يوسف صقر.. وقلت له: ما هي أمنية المستشار عبد الغفار اليوم؟
- قال أمنيته الدينية التي يرددها باستمرار هي أن يحسن الله خاتمتي وأن يسترني في الدنيا والآخرة.. كما أنه يقول لي دائماً: اتصل بي يا يوسف حتى بالتليفون مرة أسبوعياً.
- أما أمنيته الدنيوية الوحيدة الآن هي أن يجد ابنه المهندس المعماري عملاً في مصر.. لأنه يعيش معه ولا يستغنى عنه.. ولا يريد منه السفر للخارج في هذه الفترة الحرجة من عمره.
- قلت له: سبحان الله هذه أمنية بسيطة لأعظم قاضي في مصر لا يجد ابنه المهندس الحاصل على ماجستير في الهندسة المعمارية عملاً داخل وطنه؟
- هكذا الحياة.. وهكذا الدنيا تصنع بالشرفاء من الناس.
- وماذا عن المستشار جمال فؤاد؟
- لقد كان رجلاً بل أسداً بمعنى الكلمة.. وما كان المستشار عبد الغفار أن يصنع ما صنع في القضية لولا هذا الرجل الذي آزره ودعمه وسانده.. وهو صاحب اليد الطولي في صياغة أعظم حيثيات لقضيته في تاريخ مصر.
-ً
- وماذا تقول عن هذه القضية بعد مرور قرابة 28 عاما عليها؟
- هذه القضية كانت أكبر قضية سياسية في تاريخ مصر الحديث.. وكان فيها أعظم قضاة في تاريخ مصر القضائي.. وكان فيها أعظم وأكفأ محاميين من كل التيارات توحدوا جميعاً مخلصين في هذه القضية.. وكان الإخوة فيها كذلك من أفضل أبناء الحركة الإسلامية وأحسنهم .. وكل من كان في هذه القضية كان علي مستوى المسئولية.
- وكان هناك إخلاص من الجميع ليس له حدود.. ولا أظنه سيتكرر مرة أخرى بعد ذلك.
- وهذه القضية أعتبرها بداية انتشار قوية للحركة الإسلامية بين أوساط المحاميين والقضاة.
- هل تريد أن تضيف شيئاً عن المستشار عبد الغفار محمد؟
- المستشار عبد الغفار كان من أوائل رؤساء المحاكم الذين كانوا يبدءون الجلسات بكلمة "بسم الله الرحمن الرحيم".. ولم يكن مثل غيره سابقاً يقول "باسم الشعب " كما درج القضاة في عهد عبد الناصر وفي الستينات خاصة.
- وأذكر أنني كنت حليقاً أثناء هذه القضية.. وكان هناك محامي يساري يتحدث مع آخر ناصري.. ولا داعي لذكر الأسماء.. وكان الأول متعصباً وكان الثاني عاقلا حكيماً.
- فقال الأول للثاني: وأنا موجود معهما بعد أول جلسة في المحكمة: ما هذا القاضي الذي يقول باسم الله وليس باسم الشعب.
- فقلت في غضب: يا فلان باسم الله الذي خلقك وأعطاك نعمة البصر واللسان الذي تتحدث به.. وأعطاك كذا.. وكذا.. وكذا.. بلاش كفر يا أخي.
- فقال الثاني: يا فلان يوسف صقر بجوارك وهو من قيادات العمل الإسلامي.
- وهؤلاء وغيرهم من المحاميين تغيرت فكرتهم بعد ذلك عن الإسلام وعن الحركة الإسلامية.. وأصبحوا يحبونها بعد ذلك.
-
للمستشار عبد الغفار وأمثاله من ذوي الذكرى العطرة..ماورد فى هذا المقام عن هذا الرجل هوعلى لسان المحامى المصرى يوسف صقر